وبلغ منا القول إلى هذا المقام فلنردف ذلك يذكر الأصول مع زوائدها، والغرض بها اجتناب الألفاظ التي كثرت حروفها واستعمال ما كان قليل الحروف، فإنه إذا كان التلفظ بالخماسي فيه كلفة على الناطق وكراهة، كما أريناك، فالأولى أن تزداد كلفته إذا تلفظ بكلمة فيها أكثر من خمسة أحرف، فمثال ذلك قول بعضهم، في جملة رقعة كتبها إلى صديق له، قاصدًا بها التشدق في الكلام، فقال (وإذا اسلعلعت تلك تجنبلت هذه وتكهمشت) أي إذا طالت تلك قصرت هذه. فإن قوله (اسعلعت) من أقبح الألفاظ طولا، مع أنها من وحشي الكلام فقد جمعت إذن العيبين معًا.
ومن هذا النوع أيضًا ما ذكره أبو محمد بن سنان الخفاجي وهو قول أبي الطيب المتنبي:
إن الكرام بلا كرام منهم ... مثل القلوب بلا سُوَيْداواتِها
ألا ترى إلى تطاول هذه اللفظة وخروجها عن الاعتدال؟ ويحسب ذلك يتضاعف استقباحها واستكراهها. وأمثال هذا كثيرة فاعرفها.
فإن قبل: إن هذا الذي أنكرته من طول الألفاظ وذكرته هاهنا قد ورد في القرآن الكريم ما يماثله ويشابهه، فمن ذلك قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم) الآية. وقوله تعالى: (فسيكفيكهم الله).
فلفظة (ليستخلفهم) عشرة أحرف. ولفظة (فسيكفيكهم) تسعة أحرف. وأمثال ذلك في القرآن كثير. فلو كان هذا منكرًا في التأليف، مكروهًا في الكلام لما ورد في القرآن المجيد. الجواب عن ذلك، أنا نقول: ليس هذا الذي قد جاء في القرآن
الكريم مثل هذا الذي أوردناه نحن في كتابنا وأنكرناه على قائله؛ لان قوله تعالى (ليستخلفنهم) ثلاث كلمات جمعت فصارت
1 / 58