367

فعلى كل واحد منهما طعام مسكين، مد من حنطة لكل يوم حتى يمضي رمضان. وقرأ ذلك آخرون: «وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين» وقالوا: إنه الشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذان قد كبرا عن الصوم، فهما يكلفان الصوم ولا يطيقانه، فلهما أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم أفطراه مسكينا. وقالوا: الآية ثابتة الحكم منذ أنزلت لم تنسخ، وأنكروا قول من قال إنها منسوخة. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، ثنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: «يطوقونه». حدثنا هناد، قال: ثنا علي بن مسهر، عن عصام، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقرأ: «وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين». قال: فكان يقول: هي للناس اليوم قائمة. حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: «وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين» قال: وكان يقول هي للناس اليوم قائمة. حدثنا هناد، قال: ثنا قبيصة، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: «وعلى الذين يطوقونه» ويقول: هو الشيخ الكبير يفطر ويطعم عنه. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية: «وعلى الذين يطوقونه» وكذلك كان يقرؤها: أنها ليست منسوخة كلف الشيخ الكبير أن يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير أنه قرأ: «وعلى الذين يطوقونه». حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن عمران بن حدير، عن عكرمة، قال: الذين يطيقونه يصومونه ولكن الذين يطوقونه يعجزون عنه. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: حدثني محمد بن عباد بن جعفر، عن أبي عمرو مولى عائشة أن عائشة كانت تقرأ: «يطوقونه». حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء أنه كان يقرؤها: «يطوقونه» قال ابن جريج: وكان مجاهد يقرؤها كذلك. حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا خالد، عن عكرمة: «وعلى الذين يطيقونه» قال: قال ابن عباس: هو الشيخ الكبير. حدثنا إسماعيل بن موسى السدي، قال: أخبرنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: «وعلى الذين يطوقونه» قال: يتجشمونه، يتكلفونه. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن مسلم الملائي، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: «وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين» قال: الشيخ الكبير الذي لا يطيق فيفطر ويطعم كل يوم مسكينا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس في قول الله: { وعلى الذين يطيقونه } قال: يكلفونه، { فدية طعام مسكين } واحد، قال: فهذه آية منسوخة لا يرخص فيها إلا للكبير الذي لا يطيق الصيام، أو مريض يعلم أنه لا يشفى.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: { الذين يطيقونه يتكفلونه فدية طعام مسكين } واحد، ولم يرخص هذا إلا للشيخ الذي لا يطيق الصوم، أو المريض الذي يعلم أنه لا يشفى هذا عن مجاهد. حدثني المثنى، قال : ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه كان يقول: ليست بمنسوخة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } يقول: من لم يطق الصوم إلا على جهد فله أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا، والحامل والمرضع والشيخ الكبير والذي به سقم دائم. حدثنا هناد، قال: ثنا عبيدة، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال: هو الشيخ الكبير والمرء الذي كان يصوم في شبابه، فلما كبر عجز عن الصوم قبل أن يموت، فهو يطعم كل يوم مسكينا. قال هناد: قال عبيدة: قيل لمنصور الذي يطعم كل يوم نصف صاع؟ قال: نعم. حدثنا هناد، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن عثمان بن الأسود، قال: سألت مجاهدا عن امرأة لي وافق تاسعها شهر رمضان، ووافق حرا شديدا، فأمرني أن تفطر وتطعم. قال: وقال مجاهد: وتلك الرخصة أيضا في المسافر والمريض، فإن الله يقول: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين }. حدثنا هناد، قال: ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الحامل والمرضع والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم يفطرون في رمضان، ويطعمون عن كل يوم مسكينا. ثم قرأ: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين }. حدثنا علي بن سعد الكندي، قال: ثنا حفص، عن حجاج، عن أبي إسحاق، عن الحرث، عن علي في قوله: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال: الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس قال: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال: هم الذين يتكلفونه ولا يطيقونه، الشيخ والشيخة. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن الحجاج، عن أبي إسحاق، عن الحرث، عن علي قال : هو الشيخ والشيخة.

حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن عمران بن حدير، عن عكرمة أنه كان يقرؤها: { وعلى الذين يطيقونه } فأفطروا. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عاصم عمن حدثه، عن ابن عباس، قال: هي مثبتة للكبير والمرضع والحامل وعلى الذين يطيقون الصيام. حدثنا المثنى، قال: ثنا سويد، قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ما قوله: { وعلى الذين يطيقونه }؟ قال: بلغنا أن الكبير إذا لم يستطع الصوم يفتدي من كل يوم بمسكين، قلت: الكبير الذي لا يستطيع الصوم، أو الذي لا يستطيعه إلا بالجهد؟ قال: بل الكبير الذي لا يستطيعه بجهد ولا بشيء، فأما من استطاع بجهد فليصمه ولا عذر له في تركه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن أبي يزيد: { وعلى الذين يطيقونه } الآية، كأنه يعني الشيخ الكبير. قال ابن جريج: وأخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول: نزلت في الكبير الذي لا يستطيع صيام رمضان فيفتدي من كل يوم بطعام مسكين. قلت له: كم طعامه؟ قال: لا أدري، غير أنه قال: طعام يوم. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الحسن بن يحيى، عن الضحاك في قوله: { فدية طعام مسكين } قال: الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم يفطر ويطعم كل يوم مسكينا. وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } منسوخ بقول الله تعالى ذكره:

فمن شهد منكم الشهر فليصمه

[البقرة: 185] لأن الهاء التي في قوله: { وعلى الذين يطيقونه } من ذكر الصيام. ومعناه: وعلى الذين يطيقون الصيام فدية طعام مسكين. فإذا كان ذلك كذلك، وكان الجميع من أهل الإسلام مجمعين على أن من كان مطيقا من الرجال الأصحاء المقيمين غير المسافرين صوم شهر رمضان فغير جائز له الإفطار فيه والافتداء منه بطعام مسكين، كان معلوما أن الآية منسوخة. هذا مع ما يؤيد هذا القول من الأخبار التي ذكرناها آنفا عن معاذ بن جبل وابن عمر وسلمة بن الأكوع، من أنهم كانوا بعد نزول هذه الآية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم شهر رمضان بالخيار بين صومه وسقوط الفدية عنهم، وبين الإفطار والافتداء من إفطاره بإطعام مسكين لكل يوم، وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت:

فمن شهد منكم الشهر فليصمه

[البقرة: 185] فألزموا فرض صومه، وبطل الخيار والفدية. فإن قال قائل: وكيف تدعي إجماعا من أهل الإسلام على أن من أطاق صومه وهو بالصفة التي وصفت فغير جائز له إلا صومه، وقد علمت قول من قال: الحامل والمرضع إذا خافتا على أولادهما لهما الإفطار، وإن أطاقتا الصوم بأبدانهما، مع الخبر الذي روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي: حدثنا به هناد بن السري، قال: ثنا قبيصة، عن سفيان، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتغدى فقال:

" تعال أحدثك، إن الله وضع عن المسافر والحامل والمرضع الصوم وشطر الصلاة "

قيل: إنا لم ندع إجماعا في الحامل والمرضع، وإنما ادعينا في الرجال الذين وصفنا صفتهم. فأما الحامل والمرضع فإنما علمنا أنهن غير معنيات بقوله: { وعلى الذين يطيقونه } وخلا الرجال أن يكونوا معنيين به لأنهن لو كن معنيات بذلك دون غيرهن من الرجال لقيل: وعلى اللواتي يطقنه فدية طعام مسكين لأن ذلك كلام العرب إذا أفرد الكلام بالخبر عنهن دون الرجال فلما قيل: { وعلى الذين يطيقونه } كان معلوما أن المعني به الرجال دون النساء، أو الرجال والنساء. فلما صح بإجماع الجميع على أن من أطاق من الرجال المقيمين الأصحاء صوم شهر رمضان فغير مرخص له في الإفطار والافتداء، فخرج الرجال من أن يكونوا معنيين بالآية، وعلم أن النساء لم يردن بها لما وصفنا من أن الخبر عن النساء إذا انفرد الكلام بالخبر عنهن وعلى اللواتي يطقنه، والتنزيل بغير ذلك. وأما الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه إن كان صحيحا، فإنما معناه أنه وضع عن الحامل والمرضع الصوم ما دامتا عاجزتين عنه حتى تطيقا فتقضيا، كما وضع عن المسافر في سفره حتى يقيم فيقضيه، لا أنهما أمرتا بالفدية والإفطار بغير وجوب قضاء، ولو كان في قول النبي صلى الله عليه وسلم:

" إن الله وضع عن المسافر والمرضع والحامل الصوم "

صفحة غير معروفة