[البقرة: 28] بهذه الآيات والتي بعدها موبخهم مقبحا إليهم سوء فعالهم ومقامهم على ضلالهم مع النعم التي أنعمها عليهم وعلى أسلافهم، ومذكرهم بتعديد نعمه عليهم وعلى أسلافهم بأسه أن يسلكوا سبيل من هلك من أسلافهم في معصية الله، فيسلك بهم سبيلهم في عقوبته ومعرفهم ما كان منه من تعطفه على التائب منهم استعتابا منه لهم. فكان مما عدد من نعمه عليهم، أنه خلق لهم ما في الأرض جميعا، وسخر لهم ما في السموات من شمسها وقمرها ونجومها وغير ذلك من منافعها التي جعلها لهم ولسائر بني آدم معهم منافع، فكان في قوله:
كيف تكفرون بالله وكنتم أموتا فأحيكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون
[البقرة: 28] معنى: اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم، إذ خلقتكم ولم تكونوا شيئا، وخلقت لكم ما في الأرض جميعا، وسويت لكم ما في السماء. ثم عطف بقوله: { وإذ قال ربك للملئكة } على المعنى المقتضى بقوله:
كيف تكفرون بالله
[البقرة: 28] إذ كان مقتضيا ما وصفت من قوله: اذكروا نعمتي إذ فعلت بكم وفعلت، واذكروا فعلى بأبيكم آدم، إذ قلت للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة. فإن قال قائل: فهل لذلك من نظير في كلام العرب نعلم به صحة ما قلت؟ قيل: نعم، أكثر من أن يحصى، من ذلك قول الشاعر:
أجدك لن ترى بثعيلبات
ولا بيدان ناجية ذمولا
ولا متدارك والشمس طفل
ببعض نواشغ الوادي حمولا
فقال: ولا متدارك، ولم يتقدمه فعل بلفظه يعطف عليه، ولا حرف معرب إعرابه فيرد «متدارك» عليه في إعرابه. ولكنه لما تقدمه فعل مجحود ب«لن» يدل على المعنى المطلوب في الكلام وعلى المحذوف، استغنى بدلالة ما ظهر منه عن إظهار ما حذف، وعامل الكلام في المعنى والإعراب معاملته أن لو كان ما هو محذوف منه ظاهرا. لأن قوله:
صفحة غير معروفة