158

============================================================

الأمر لنفسه، فوجه إليه ناسأ من الأتراك ليلا، فهجموا عليه في منزله على غفلة، فوجدوه وحده في البيت وعليه مدرعة من شعر وعلى رآسه ملحفة من صوف، وهو مستقبل القبلة يتلو آيات من القرآن في الوعد والوعيد، ليس بينه وبين الأرض بساط إلا الرمل والحصى، فأخذ على تلك الهيئة، وأتي به إلى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه وهو يستعمل الشراب وفي يده كأس، فلما رآه ولم يتحقق ما ذكر عنه أجلسه يجنبه، ولما لم ير حجة عليه ناوله الكاس الذي في يده، فقال: يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفتي منه فأعفاه وقال له أنشدني شعرا استحسنه، فقال: إني لقليل الشعر(1)، فقال لا بد أن تنشدني فانشده: باتوا على قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلل واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا ناداهم صارخ من بعدما قبررا اين الأسرة والتيجان والحلل من دونها تضرب الأستار والكلل اين الوجوه التي كانت منعمة فافصح القبر عنهم حين ساءلهم تلك الوجوه عليها الدود يقتتل قد طالما اكلوا دهرا وما شربوا فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا فأشفق من حضر على علي فظن أن بادرة تبدر إليه، فبكى المتوكل طويلأ حتى بلت دموعه لحيته، ويكى من حضر، ثم امر برفع الشراب ثم قال: يا أبا الحسن اعليك دين، قال: نعم أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها إليه ورده إلى منزله مكرما، وقال في الصواعق(2) ما نصه وكان وارث آبيه علما وسخاء، ومن ثمة جاءه أعرابي من أعراب الكوفة وقال: إني من المتمكين بولاء جدك، وقد ركبني دين آثقلني حمله، ولم أقصد لقضائه سواك، فقال كم دينك قال: عشرة آلاف درهم، فقال (7) في الوفيات ومروج الذهب: اني لقليل الرواية للشعر.

2) الصواعق المحرةة: 123 ونور الأبصار: 148.

صفحة ١٥٨