فقال قوم: كان اختلاف الصحابة على طريق القياس والاجتهاد. وقال قوم: كان اختلافهم استخراج الحكم بالدليل المستنبط به، والاختلاف أيضا قد يقع بين العلماء في نفس المنصوص؛ لأن من العلماء من يقول: بالعموم، ومنهم من يقول: بالخصوص. وربما كان اختلافهم من وجه آخر؛ لأن من العلماء من يقول: إن الأوامر على الوجوب، ومنهم من يقول: هي على الندب، ومنهم من يقول: الأوامر إذا وردت كانت على الوقف لا حكم لها حتى يرد بيان يرفع الشبهة عن المأمورين، ويزيح العلل عنهم، وإذا كان هذا هكذا فالاختلاف قد يقع عليه في المنصوص عليه بعينه. ويقع الاختلاف أيضا في المنصوص عليه باسمه في الجملة، ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلمكيف يقول: (إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم) (¬1) ثم أجمعوا أن بيع الذهب بالفضة أحدهما بالأخرى غير جائز إذا كان أحدهما غائبا. وقد نهى (عن بيع المنابذة والملامسة) ولم يقل: كيف شئتم إلا المنابذة والملامسة، فهذا يدل على أنه قد قال: بيعوا كيف شئتم إلا ما نهيتكم عنه من البيوع، والله أعلم.
باب في التذكية
¬__________
(¬1) متفق عليه.
صفحة ٧٥