والحجة في غسل المرفقين مع اليدين قول الله عز وجل: { ?وأيديكم إلى المرافق } ، ?فإن قال قائل: لم أوجبتم غسل المرفقين وهما حدان، والحد لا يدخل في حد المذكور؟ قيل له: لما خاطبنا الله تبارك وتعالى بغسل اليدين إلى المرفقين وهما حدان اعتبرنا ذلك من أبناء الحد، يدل على معنيين: أحدهما لا يكون داخلا في حكم المذكور وهو غسل اليدين، والآخر داخل فيه؛ ورأينا المحدودات على ضربين: فحد من جنس المحدود فحده داخل فيه، ومحدود إلى غير جنسه فحده لا يدخل فيه. فأما المحدود الذي يدخل في جنسه فهو ما قال الله تعالى: ? { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } (¬1) أي مع أموالكم، وكذلك قوله عز وجل: { ?فلما أحس عيسى منهم الكفر قال: من أنصاري إلى الله } (¬2) أي مع الله. وأما المحدود إلى غير جنسه فحده لا يدخل فيه. وهو ما قال الله تعالى: { ثم أتموا الصيام إلى الليل } (¬3) ، فذلك حد وانتهاء، وكذلك قوله جل ثناؤه: ? { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا } (¬4) أي ركبانا. فلما كان المرفقان حدين من جنس ما حد الله (نسختين) ما حد إليه وجب أن يدخلا معه في الغسل، وأيضا فإن غسل المرفقين مع اليدين واجب بإجماع الأمة، وهو أقوى حجة عند النظر، وبالله التوفيق. ومسح جميع الرأس واجب في الطهارة عند بعض أصحابنا، والنظر عندي يوجبه، والحجة لمن ذهب إلى هذا الرأي قول الله تعالى: ? { ثم ليقضوا تفثهم.وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } (¬5) ، فأفاد بهذه الآية أن الطواف بالبيت العتيق جميع البيت. وكذلك قوله في التيمم: { ?فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم } (¬6) أنه جميع الوجه باتفاق الأمة. فهذان دليلان لأصحاب هذا الرأي، وقال أكثر أصحابنا: إن مسح بعض الرأس من مقدمه يجزي للماسح.
¬__________
(¬1) النساء: 2.
(¬2) آل عمران: 52.
(¬3) البقرة: 187.
(¬4) مريم: 85.
(¬5) الحج: 29.
(¬6) النساء: 43.
صفحة ١٦٦