وأما ابن عباس والشافعي ومالك فكانوا يأمرون بأن يعرف بها على أبواب المساجد وفي الأسواق، وحيث اجتماع الناس ومواضع العامة، فإن وجد لها ربا، و إلا فهي له في قول مالك والشافعي، ولا أعرف لابن عباس في ذلك قولا في حكمها غير ما ذكرنا عنه، والذي نختاره أن الملتقط إذا قصد إلى أخذها محتسبا لربها في حفظها عليه، غير متعد فيها، وكان فقيرا فليأكلها وهو أحق بها بعد تعريفه إياها سنة، إذا كانت مما يوصل إلى معرفتها، وكانت مما تبقى إلي تلك المدة، وإن كان غنيا تصدق بها بعد المدة على الفقراء، وإن صح لها مالك رجع بقيمتها على الملتقط غنيا كان أو فقيرا، إلا أن يختار ربها الآخر، فإن قال قائل: لم حكمتم بوجوب الضمان عليه بعد أن برئت ذمته منها؟ قيل له: إنما حكمنا له بالرجوع عليه كما حكم لمن ملك مالا حلالا في الظاهر يأكله وينفق منه، ثم يستحقه عليه بعد ذلك مستحق، فلا يكون غاصبا فيما تقدم من فعله قبل الدرك، وهو مال الله تبارك وتعالى يحله لواحد وقتا ويحرمه عليه وقتا، والضمان قد يلزمه بغير التعدي لعلة من طريق التعدي.
وقد روي أن ابن عمر مع زهده كان إذا مر بثمرة ساقطة التقطها وأكلها. وأما ابن عباس فالرواية عنه قال: من وجد من سقط (نسختين) سقاط المتاع فلينتفع به، كالسوط والنعلين والعصا وشيء من سائر المتاع، وقد قال: يجوز ذلك كثير من أصحابنا، وقال ابن عباس: وإن رجع إليه صاحبه رده إليه، كذلك في الرواية عنه، والله أعلم.
وروي أن عبد الله بن عمر كان مع رجل في بعض الطريق، فرأى صاحبه دينارا ساقطا فمد يده إليه ليأخذه، فضرب ابن عمر يده، فقال مالك وإياه، ونهاه عن أخذه. وأما جابر بن زيد فالرواية عنه أنه كان يكره أخذ اللقطة.
صفحة ١٤٦