أجمع أصحابنا على جواز الإقامة للمسلمين في بلد قد غلب عليها الجبابرة، وأن تعمر فيه الأموال، وتزرع فيه الزرائع، ويغرس فيها الأشجار، مع علمه بأنهم يأخذون منه الأموال على سبيل الخراج من غير أن يستحقوا ذلك المال، وأنهم يستعينون به على ظلمهم وبغيهم. فإن قال قائل: ليس (¬1) في ذلك تقوية لهم، وشد على أعضادهم، فما أنكرتم أن لا تجوز الإقامة معهم للمسلمين لما ينالوا منهم من المنافع والأموال التي يستعينون بها، ولولا (¬2) يأخذون من زرائع المسلمين وثمارهم لم تكن بهم إقامة (معهم) (¬3) ، وهلا قلتم: إن إقامتهم على الظلم في هذا البلدان بسبب من أقام معهم من المسلمين لما يأخذون منهم؟ قيل له: قد تجوز للمسلمين الإقامة في أملاكهم في المواضع التي لم يأت في سكنها حظر من قبل الله عز وجل، ويزرعون فيها ويعمرون الأموال ويغرسون الأشجار، وإن كانوا يعلمون أن الجبابرة يأخذون منهم بسببها أموالا تؤدي إلى تقويتهم على ظلمهم إذا كانوا إنما يزرعون ويعمرون لنفع أنفسهم وستر عيالهم، وإصلاح أحوالهم وللمسلمين أيضا. ولكن إذا كانوا يزرعون ويعمرون وينوون بذلك تقوية الجبابرة والمعونة لهم، فهم عصاة لله في فعلهم. فأما إذا كانت نياتهم أن يزرعوا لأنفسهم ولنفقة عيالهم وصلاح للمسلمين (¬4) ، فلا إثم عليهم، وأيضا فلو كان ما يزرعون لأناس (¬5) ومرادهم في ذلك الصلاح وقصدهم فيه الخير يكونوا (¬6)
¬__________
(¬1) لعل صوابها: أليس.
(¬2) لعل صوابها: ولولا ما.
(¬3) من (ج).
(¬4) في (ج) ولصلاح المسلمين.
(¬5) في (ج) للناس.
(¬6) لعل صوابها: يكونون..
صفحة ١٣٣