فإن قال: فخبرني عن مؤمن أخذه الجبار بمال كثير يطلبه منه، وعلم أنه إن لم يدفع إليه هذا المال إنه يقتله. أيجوز أن لا يدفع ذلك إليه وهو يقدر عليه؟ قيل له: لا يجوز إلا أن يدفعه إليه إذا كان عنده، إنه يقتله إن لم يدفعه إليه، وعليه أن يفدي نفسه بالمال وإلا كان عاصيا لربه، فإن قال: ولم قلتم ذلك؟ قيل له: إن الله أوجب عليه أن تكون نفسه أبر عنده من ماله وأن ينفق ماله (¬1) في صلاح نفسه، فلا صلاح لنفسه أكثر ولا أولى من أن يفدي نفسه من القتل. وأيضا فإنه لو لم يكن عليه أن يفدي نفسه بماله لم يكن له أن يفدي بدرهم واحد وإن كان ماله كثيرا إذا كان الفداء بالمال غير واجب، وإذا وجب فداء النفس بالمال كان بالقليل والكثير، ألا ترى أن الفقهاء جميعا أوجبوا عليه أن يشتري الماء بالثمن الكثير مع وجود البدل وهو الصعيد، فإذا امتنع بالغلاء لم يكن عليه. وغلاؤه أن يدفع في ثمنه ما يخاف أن يضره إخراجه من ماله فإحياء نفسه (¬2) أولى، وكذلك لو وجده بملكه كله ليشرب من خاف على نفسه الموت من العطش أن يشتريه بجميع ماله ولا يقتلها، وهو يقدر على فدائها وكان على صاحب الماء أن يرد عليه فضل قيمة الماء في موضعه. فإن قال: فإن كان عنده أن الجبار يأخذ منه الفداء، ثم يقتله هل له أن لا يدفع إليه شيئا؟ قيل له: نعم. لأن هذا يتلف مالا في غير نفع، وكل من أنفق ماله بغير (¬3) نفع في عاجل ولا آجل فهو آثم. فإن قال: فإن كانت نجاته من هذا الجبار بجميع ملكه هل له أن يدفع إليه؟ قيل له: نعم، عليه أن يحيي نفسه بما يقدر عليه.
¬__________
(¬1) من (ج) وفي (أ): نفسه.
(¬2) (ج): النفس.
(¬3) في (ج): لغير.
صفحة ١٢٨