إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار .
قانون التاريخ إذن هو تجربة نفسية واجتماعية قبل أن تتحول إلى قانون. فالقانون ما هو إلا تراكم الخبرات الفردية والاجتماعية عبر التاريخ. يتحول من خلالها الوعي الفردي الاجتماعي إلى وعي تاريخي. ومقاييس الصدق لهذا القانون متعددة. فمنها العقل والبرهان والقياس والتأمل والتفكير والنظر والتدبر. لذلك طالب القرآن بالبرهان كمقياس للصدق. ومنها أيضا الإحساس الفطري والوجدان والشعور والبداهة الطبيعية. وهو ما سماه القرآن الصبغة
ومن أحسن من الله صبغة ، والفطرة،
فطرة الله التي فطر الناس عليها . ومنها التعليم الشرعي واكتساب العلوم والمعارف. لذلك فضل الله العلماء على غيرهم، وجعل العلماء ورثة الأنبياء. ومنها أخيرا الإلهام الإلهي الذي يهبه الله خاصته، اليقين الداخلي الموضوعي، الحدس الرباني وهو يقين الأنبياء.
19
وبهذا المعنى يستشهد الأفغاني بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية باعتبارها صياغات إلهية لقوانين التاريخ بناء على رصيد طويل من تجارب البشر. فالنص صورة للواقع، والواقع مادة النص، وبتفاعل الصورة والمادة تنشأ حركة التاريخ. الوحي يتحقق في التاريخ، والتاريخ ميدان لتحقق الوحي. وبالتالي يمكن معرفة قوانين التاريخ استنباطا من النص واعتمادا على العقل والبداهة والفطرة. ويمكن معرفته استقراء من حوادث التاريخ. الطريق الأول سماه القدماء التنزيل، والثاني التأويل. وتطابق الطريقين تصديق للوحي. ويمكن صياغة قوانين التاريخ بالمنقول والمعقول حول العدل في التاريخ ووراثة الأرض للمؤمنين، وتحقيق الوعد الإلهي، والنصر للمؤمنين، وإظهار الحق على الباطل، وتحقيق العزة للمؤمنين، وعدم تغيير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وذلك مثل
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين . هذا قانون تاريخي يمكن للعقل استنباطه بعد رؤية حوادث التاريخ. فالعقل يستدل على سيطرة الإنجليز على ممالك الهند بالقوة والحيلة وكذلك روسيا. كما يستدل على وحدة النضال ضد الاستعمار، الثورة المهدية، والثورة العرابية، ونضال الهند ومقاومة الاستعمار وأيضا مثل
ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم . ويستطيع العقل أن يستدل على أن التفرق ضعف، وتستطيع التجربة أن تثبت أن الوحدة قوة، ومن هنا لزمت وحدة الأفغان والفرس والهند ومصر والسودان وسوريا. وأيضا
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فالتغير من الداخل إلى الخارج وليس من الخارج إلى الداخل، من الفرد إلى الجماعة وليس من الجماعة إلى الفرد طبقا للنظرة المثالية للعالم.
20
صفحة غير معروفة