الشرق والغرب أحد مظاهر ثنائيات الأنا والآخر على مستوى المواجهة وكما بدت في الاستعمار الحديث. ويرسم الأفغاني صورتين للشرقي والغربي ويحدد معالمهما وخصائصهما التي تجعل الغربي يستعمر الشرقي، والشرقي يقبل استعمار الغربي. ويأخذ الإنجليزي نموذجا للغربي. فالإنجليزي قليل الذكاء عظيم الثبات، كثير الطمع والجشع، عنود صبور متكبر، على عكس ما هو شائع من ذكاء العربي. وواضح أن هذه الصفات إرادية أكثر منها ذهنية، رومانية أكثر منها يونانية. ويأخذ العربي نموذجا للشرقي. فالعربي أو الشرقي على عكس الإنجليزي كثير الذكاء، عديم الثبات، قنوع جزوع، قليل الصبر متواضع. فواضح أن صفات الشرقي هي العكس، صفات ذهنية، وعيبه ضعف الإرادة وجزعه وعدم ثباته وصبره ونقص طموحه. فكان من الطبيعي أن يستعمر الغربي الشرقي بهذه الصفات المتباينة. فالاستعمار إرادة بلا عقل. كما يثبت الإنجليزي على الخطأ إذا تسرع وقاله أو باشره، والشرقي لا يثبت على الصواب ولا على طلبه. فيفوز الإنجليزي على العربي بفضيلة الثبات، ويخسر العربي أو الشرقي كل حق لرذيلة التلون والتردد وقلة الثبات وعدم الصبر. استعمر الغربي الشرقي لثبات الغربي وتردد الشرقي وهي صفة أيضا من صفات الإرادة إيجابا وسلبا، والأفغاني يعيش في عصر نيتشه ، وتوفي قبله بثلاثة أعوام. وما أكثر ما ورد في القرآن من ذكر للصبر
اصبروا وصابروا ،
والذين صبروا ،
ولو أنهم صبروا ،
وبشر الصابرين . والأمة العربية خاصة والمسلمون عامة أحوج ما تكون إلى الصبر والثبات. يستهويها الوعد الكاذب وترضى به ولا تصبر على الوعد الصادق، وتخسر في الحالتين؛ فالأفغاني لا يشخص الداء ولكنه يشير إلى الدواء. وربما تغير الأمر الآن بعدما أصبح الصبر داء لا دواء.
والمصريون خاصة والشرقيون عامة في لقائهم مع الإنجليز أو الغرب مثل رجل مثر ترك من الأموال والأملاك وخلفه ورثة سفهاء مبذرون. لذلك قضت الشريعة بالحجر على الوارث. وهذا الوصي هو الغرب. وفرق بين حجر الشريعة الذي يمكن أن يرفع وبين وصاية الغرب الباقية إلى الأبد فتتحول إلى استعمار وتملك واستعباد. ويتخذ الغرب ذريعة حفظ حقوق السلطان أو إخماد فتنة ضد الأمير أو إنقاذ نصوص الفرامين أي صكوك الدائنين أو حماية حقوق المسيحيين أو الأقليات أو حقوق الأجانب وامتيازاتهم أو دفاعا عن حرية الشعوب المقهورة أو تعليم أصول الاستقلال أو إعطاء الشعب حقوقه تدريجيا من الحكم الذاتي أو إغناء الشعب الفقير بالإشراف على موارد ثروته. ويصدق الشرقي هذه الدعوى كما قال الشاعر.
ما زال يغدق آلاء ويشفعها
بما يفوق أماني النفس بالعظم
فيطيع الشرقي الغربي منتظرا تحقيق الوعود. والغربي نفسه يعتبر الشرقي خاملا جاهلا متعصبا. أراضيه خصبة، ومعادنه كثيرة، ومشاريعه كبيرة، وهواؤه معتدل، والغربي أولى بالتمتع بكل هذا عن الشرقي، ويضع خطة للاستيلاء عليه. فالبقاء للأصلح. ويستعمل لذلك عدة أساليب، منها: إقصاء كل وطني يمكن أن يجهر بمطالب وطنية، تقريب الأسقط همة، والأبعد عن المطالبة بالحق، تفريق البلاد طوائف وشيعا، وإيثار واحدة على الأخرى حتى يقع الشقاق بينهما، ويتقارب كل منهما للأجنبي طالبا العون والتأييد ضد الطوائف الأخرى.
10
صفحة غير معروفة