الإقدام في سبيل الحق سمة المؤمنين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهمة العلماء دون خوف أو جبن. وفرقعة السيوف بغير فتك، والتبختر بلامة الحرب إبان السلم من الأدلة على الجبن في مواطن القتال. الجبن لا يغني، والشجاعة لا تفقر، فلم الجبن دون الشجاعة؟ لولا الوهم والجبن لما احتل الإنجليز الشرق. ولو أدرك الشرقيون قوتهم الطبيعية لانكشف ضعف الإنجليز. ربح الإنجليز بالمكر والحيلة، وخسرت الأمة بالجبن والوهم. كان الإنجليز أمة مجتمعة القوة مستكملة العدد مستعدة للفتوحات، والشرقيون مغرقون في حجب الجهل بالصنائع، فأعدوا كل غريب معجزة، وكل بديع سحرا أو كرامة. فإذا انتهز الإنجليز الفرصة وسيطروا على الشرق، على الأمة إذن التحرر من الوهم والجبن، وأن تعود كما كانت أسودا تسترد المفقود وتحافظ على الموجود.
18
والوهم مثل الجهل ضد العقل والعلم. فما استحكم الجهل إلا وتفرقت الكلمة. ووجود الجهل في غياب العلم، وإذا وجد العلم غاب الجهل. وإذا خلا الميدان من العقلاء تسابق الجهلاء. وإذا ساد الجهال ساءت الأحوال. والجاهل الحي ميت، والعالم الميت حي. والعالم الفقير غني بعلمه، والغني الجاهل فقير بجهله. وانهزام العقلاء أمام الجهلاء أولى من الظفر بهم. وشر الأزمنة أن ينبح الجاهل ويسكت العاقل. فالجاهل أعلى صوتا والعالم أكثر صمتا.
19
والعلم هو العلم الواضح دون تطويل للمقدمات أو سقم للنتائج، ومع ذلك فالقياس منهج العلم. القياس هو البرهان وليس قال يقول، أقوال الناس. وإذا ما تعارض السماعي مع القياسي أي النقل مع العقل فإن في أحدهما عوجا أو انحرافا؛ إذ لا يحق لأحدهما أن يمنع الآخر. فإذا ما جاز انحراف السمع فإنه لا يجوز اعوجاج العقل، ومن ثم فالعقل أساس النقل.
20
لذلك ينقد الأفغاني رجال الدين الذين أضاعوا حقائق الدين بين سوء معقولاتهم وعدم تفهم منقولاتهم.
والعلم هو العلم الحي وليس العلم الميت، العلم في الراس وليس في الكراس، العلم الشفاهي وليس العلم المدون، العلم في القلب وليس العلم على اللسان. فالعلم الحي في الصدر الحي. ومقبرة العلوم خزانات الكتب. كان مقر العلم في الرأس والصدر ثم انحدر إلى الجبة والسطر. وأصبحت صورة العالم
عمامة كالبرج وجبة كالخرج . «وكما أن عظمة الملك لا تكون بالتيجان فإن وقار العلم لا يكون بالطيلسان.»
21
صفحة غير معروفة