1
والحقيقة أنه لما استقر الاستعمار في الهند شجع الإنجليز أحمد خان بهادور، وهو لقب تعظيمي في الهند، من صنيعتهم لخلع دين المسلمين، والتدين بمذهب الإنجليز. فألف كتابا يثبت فيه أن التوراة والإنجيل ليسا محرفين ولا مبدلين لإرضاء الإنجليز. ثم قال بالمذهب الدهري. فلا وجود إلا للطبيعة العمياء دون إله حكيم. وجميع الأنبياء كانوا طبيعيين ومن ثم يمكن التخلص من الشرع وبالتالي من الجهاد، ودفع المسلمين إلى الشهوات والحياة الدنيا. وبنى الإنجليز له مدرسة عليكرة، مدرسة المحمديين لنشر الدعوة. فأوروبا لم تتقدم إلا بالمذهب الطبيعي. وقد كافأه الإنجليز بتعيين ابنه مولوي محمود عضوا في مجلس قرية من قرى الهند لا يزيد حجمها على شبراخيت في مصر. ووعدوا كل من اتبعوه بتعيينهم في وظائف الحكومة. وهو دجال آخر الزمان، يهدف إلى محو الإسلام في الهند. فالدهريون هم جيش الحكومة الإنجليزية في الهند. واستمر تلميذه الأول سميع الله خان في تضليل المسلمين، وكان صديقا للورد نورثبروك الذي كان يعمل على تنفير المصريين من الدولة العثمانية.
2
وقد كتب الكتاب بالهندية والفارسية. لا ينقسم إلى فصول أو أبواب كما هو الحال في التأليف الحديث، بل إلى عدة مطالب غير مرقمة أو مرتبة وخاتمة للكتاب. تشمل عرضا تاريخيا للمذهب وفرقه، وهو الجزء الأصغر ثم أربعة عشر مطلبا في خطورته على الأديان والرد عليه، وهو الجزء الأكبر، أربعة أضعاف الجزء الأول وهو ما يتفق مع عنوان الكتاب.
3
وهو مذهب ظهر في اليونان في القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد، يهدف في رأي الأفغاني إلى محو الأديان ووضع أسس الإباحة والاشتراك في الأموال والأبضاع بين الناس. ففسدت الأخلاق وانهارت الأمم، أي إنه قضى على الطبيعة والمجتمع، وفسدت المدنية، ونقضت الهيئة الاجتماعية الإنسانية، والدين هو أساس النظام الاجتماعي والتمدن. فالمذهب ضد الدين وضد أي تنظيم على أساس ديني.
4
فواضح من هذا التعريف أن العرض الموضوعي يشمل النقد بل يتجاوز النقد العرض الموضوعي. لا يتجاوز العرض نشأته التاريخية مكانا وزمانا ثم بعد ذلك يبتلع النقد العرض. والنقد كله يقوم على أساس خطورته على الدين وقضائه عليه؛ لأن الدين أساس المجتمع. فالمذهب يمحو الدين وبالتالي يقضي على المجتمع ويكون سبب انهياره في التاريخ. وهو النقد الشعبي الرائج في الصحف الدينية المحافظة التي تعتبر كل تفكير في المادة وكل تنظيم اجتماعي يقوم على الشراكة مادية وإلحادا، نقد رجال الدين للمذهب الطبيعي وهو ما زال سائدا حتى الآن، وليس نقد العلماء من داخل المذهب في مقدماته ونتائجه وحججه واستدلالاته وبراهينه.
5
ومنذ تاريخ اليونان في القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد وجد تياران: الأول تيار إلهي يثبت وجود ذات مجردة عن المادة والزمان، مخالفة للمحسوسات في صفاتها، منزهة عن صفات الجسم وأعراضه، واحدة منزهة عن التأليف والتركيب، وجودها ذاتها وذاتها وجودها. وهي المصدر الأول والمبدع لكل الكائنات. ويعرف أنصار هذا التيار باسم المتألهين، أي الخاضعين لله، مثل فيثاغورس وسقراط وأفلاطون وأرسطو، والثاني طبيعي لا يثبت إلا المادة المدركة بالحس، ولا يوجد شيء وراءها. لذلك سمي أنصار هذا المذهب باسم الماديين، والمذهب نفسه بالمادية
صفحة غير معروفة