252

الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي

محقق

عبد الكريم سامي الجندي

الناشر

دار الكتب العلمية

الإصدار

الأولى ١٤٢٦ هـ

سنة النشر

٢٠٠٥ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

أُسْعِفَكَ وَأَنْ أَصْنَعَ بِكَ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ، فَسَلْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَسْتَ تَسَلْهُ شَيْئًا إِلا أَعَطَاكَهُ. فَقَالَ: حَاجَتِي أَنْ تَشْتَرِيَ لِي كَلْبًا فَارِهًا وَحِمَارًا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا بُنَيَّ! أَنْتَ حِمَارٌ وَنَشْتَرِي لَكَ حِمَارًا، قُمْ فَاخْرُجْ، قَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِ؟ يَا غُلامُ! ادْعُ لي يزيدًا، فَدَعَاهُ.
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَرَادَ أَنْ يُسْعِفَكَ وَيُوَسِّعَ عَلَيْكَ وَيَصْنَعَ بِكَ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ، فَاسْأَلْهُ مَا بَدَا لَكَ، قَالَ: فَخَرَّ سَاجِدًا ثُمَّ قَالَ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ: الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي بَلَّغَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ الْمُدَّةَ، وَأَرَاهُ فِي هَذَا الرَّأْيَ، حَاجَتِي أَنْ تَعْقِدَ لِيَ الْعَهْدَ مِنْ بَعْدِكَ، وَتُوَلِّيَنِي الْعَامَ صَائِفَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَتُحْسِنَ جَهَازِي وَتُقَوِّيَنِي، فَتَكُونَ الصَّائِفَةُ أَوَّلَ أَسْفَارِي، وَتَأْذَنَ لِي فِي الْحَجِّ إِذَا رَجَعْتُ وَتُوَلِّيَنِي الْمَوْسِمَ، وَتُزِيدَ أَهْلَ الشَّامِ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ لِكُلِّ رَجُلٍ، وَتجْعَل ذَلِك بشفاعتي، وتفرض لأَيْتَامِ بَنِي جُمَحَ وَأَيْتَامِ بَنِي سَهْمٍ وَأَيْتَامِ بَنِي عَدِيٍّ، قَالَ: مَالك وَلِبَنِي عَدِيٍّ؟ قَالَ: لأَنَّهُمْ جَالَفُونِي وَانْتَقَلُوا إِلَى دَارِي، قَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ فَعَلْتُ - إِذَا رَجَعْتَ - ذَلِكَ بِكَ، وَقَبَّلَ وَجْهَهُ وَقَالَ لابْنَةِ قَرَظَةَ: كَيْفَ رَأَيْتِ؟ قَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَوْصِهِ بِي، فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، فَفَعَلَ.
قَالَ القَاضِي: قدر روينَا هَذَا الْخَبَر من طَرِيق آخر، وَفِيه: أنَّ عَبْد اللَّه سَأَلَ مَالا وأرضًا، وَأَن يَزِيدَ قَالَ لمُعَاوِيَة: اعْتِقْني من النَّار أعتق اللَّه رقبتك من النَّار، فَقَالَ لَهُ: وَكَيف؟ قَالَ: لِأَنِّي وجدتُ فِي الْأَثر أَنَّهُ " من تقلَّد أَمر الأُمَّةِ ثَلَاثَة أَيَّام حَرّمه اللَّهُ عَلَى النَّار "، فاعهد إِلَيّ من بعْدك.
سيدة النّساء
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْعِجْلِيُّ الْبَزَّازُ الْمَعْرُوفُ بِالْمَرَاجِلِيِّ بِسُرَّ مَنْ رَأَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُمَرَ اللَّيْثِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُجَالِدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مَرَّ بِي مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَنَا فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا شَعْبِيُّ! قُمْ، فَقُمْتُ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِي وَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ الْقَصْرَ فَقَصَّرْتُ، فَقَالَ: ادْخُلْ يَا شَعْبِيُّ، فَدَخَلَ حُجْرَةً فَقَصَّرْتُ، فَقَالَ: ادْخُلْ يَا شَعْبِيُّ، ثُمَّ دَخَلَ بَيْتًا فَقَصَّرْتُ، فَقَالَ: ادْخُلْ فَدَخَلْتُ، فَإِذَا امْرَأَةٌ فِي حَجَلَةٍ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ هَذِهِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذِهِ عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: هَذِهِ لَيْلَى، وتمثَّل:
وَمَا زلتُ فِي ليلى لَدُنْ طَرَّ شَاربي ... إِنِّي الْيَوْم أُخْفِي حُبَّها وأداجنُ
وأحْمِلُ فِي ليلى لقومٍ ضغينةً ... وتُحْمَلُ فِي ليلى عليَّ الضغائنُ
ثُم قَالَ لي: يَا شَعْبِي! إِنَّهَا اشتهتْ عليّ حَدِيثك، فحادثْها، وَخرج وتَرَكنا.
قَالَ: فَجعلت أُنْشِدُها وتُنْشِدُني، وأحادثها وتحادثُني حَتَّى أنشدتها قَول قَيْس بْن ذُرَيْح:
أَلا يَا غُراب البَينْ قَدْ طِرْتَ بالَّذِي ... أُحاذِرُ من لُبْنَى فَهَل أنْتَ واقِعُ
تبْكي عَلَى لُبنى وَأَنت قتلتَها ... وَقَدْ هلكتْ لُبْنَى فَمَا أَنْت صَانِعُ
قَالَ: فَلَقَد رَأَيْتهَا وَفِي يَدهَا غراب تنتفُ ريشَه وتضربُه بقضيبٍ وتَقُولُ لَهُ: يَا مَشُوم.
وغراب يُضرب فِي سوق الطير
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَزْيَد الْخُزَاعِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَير، قَالَ: قَالَ الْخَلِيل بْن سَعِيد: مررتُ بسوق الطير فَإِذا النّاس قَد اجْتَمعُوا يركبُ بعضُهم بَعْضًا فاطلعت فَإِذا أَبُو السّائب قَابِضا عَلَى غرابٍ يباعُ قَدْ أَخَذَ طرف رِدَائه، وَهُوَ يَقُولُ للغراب يَقُولُ لَك قَيْس بْن ذُرَيْح:

1 / 256