وبقراط يأمر أن نتعرف طبيعة البدن معرفة باستقصاء، ويزعم أنها ابتداء لجميع القول فى صناعة الطب. فأما هؤلاء، فقد بلغ من حرصهم على هذا، أنهم لم يقتصروا على ترك معرفة جوهر كل واحد من الأعضاء واشتباك ما اشتبك منها وخلقتها وعظمها واشتراك وضعها بعض إلى بعض، لكن قد تركوا مع ذلك معرفة مواضعها أيضا. وقد قال بقراط: إنه قد يعرض للأطباء أن يخطئوا فى أغراض العلاج من أنهم لا يفهمون تقسيم الأمراض بأنواعها وأجناسها. فأشار بهذا إلى أنه ينبغى لنا أن نتدرب فى صناعة المنطق. فأما أطباء أهل زماننا هذا فإنه بلغ من بعدهم من التدرب فيها، أنهم يثلبون من تدرب فيها كأنه يتدرب فيما لا منفعة فيه.
وكذلك قال بقراط: إنه ينبغى أن تكون لنا عناية كثيرة وفى أن نتقدم فنعلم ما الأعراض الحاضرة فى العليل وما تقدم منها وما سيحدث. فأما هؤلاء الأطباء فإنه بلغ من حرصهم على هذا الجزء أيضا من الصناعة، أنهم يسمون من يتقدم فينذر بعرق أو برعاف خداعا صاحب بدع. فكم بالحرى لا يقبل هؤلاء من غيرهم إذا تقدم فأنذر، وكم بالحرى يكون بعدهم عن تقدير الغذاء بحسب المنتهى الذى سيكون فى المرض. فإن هذه هى السبيل التى أمرنا بقراط أن نسلكها فى تقدير الغذاء. فأيش الذى بقى لهؤلاء مما يتشبهون فيه ببقراط؟ فما شبهوه ولا فى حذقه بالعبارة. وذلك أنه يعبر عبارة صحيحة مستوية، وهؤلاء يبلغ من مضادة حالهم لحاله فى هذا، أنا نرى أكثرهم يخطئون فى الإسم الواحد فى موضعين، وذلك ما لا يسهل توهمه توهما.
[chapter 2]
صفحة ١٦