فبهذه الأشياء وبخ الراوقيين أعلمهم كلهم فوسيذونيوس الذى يذمونه ويعذلونه سائر الرواقيين بسبب الأشياء التى بها وحدها يتسأهل المدحة الكثيرة، لأن أولئك رضوا واختاروا إيثار آرائهم وهواهم هذا. وأما فوسيذونيوس فإنه اختار ترك هذا الهوى الرواقى على ترك الحق. ومن أجل ذلك فى كتابه على الآلام يرى آراء نضادة لآراء خروسيفوس جدا، وكذلك أيضا فى كلامه فى أصناف الفضائل، ويذم خروسيفوس ويعذلة فى أشياء كثيرة مما تكلم به فى أقواله المنطقية، وأكثر من ذلك أيضا عذلة إياه على أشياء كثيرة مما تكلم فيها فى أقواله فى أصناف الفضيلة. فقد بان إذا أن فوسيذونيوس أيضا لم يكن يرى أن الشر يدخل على الناس من خارج من غير أن يكون له فى أنفسنا شىء من الأصول الخاصية التى منها مبدأه ونباته ثم يتفرغ بعد ويمنى، بل الأمر على خلاف ذلك. وذلك أن فينا ترد الفضائل والشرور، وليس حاجتنا إلى الهرب من الأشرار كحاجتنا إلى اتباع من يصلح وينمنع من نماء الشرارة، وذلك لأن الأمر ليس على ما يقولون أن الشر كله يدخل أنفسنا من خارج بل أكثر الشر هو للأشرار من أنفسهم، والذى يداخل منه من خارج هو أقل من هذا كثيرا. ومن هؤلاء الأشرار يكتسب الجزء العديم النطق من أجزاء النفس أخلاقا وعادات ردئية والجزء الفكرى آراء وظنونا كاذبة، كما أنا إذا تأدبنا بتأديب قوم أخيار ذوى فضائل اكتسبت النفس الناطقة آراء وظنونا صادقة والنفس العديمة النطق أخلاقا وعادات حسنه جيادا. والذى يتبع المزاج فى الجزء الفكرى من أجزاء النفس سرعة الفهم والجهل والكثرة والقلة فى ذلك، وفى الجزء العديم النطق الحركات المعتدلة والمفرطة وفى هذا أيضا كثرة وقلة. وأما الأمزاج فإنها تابعة للكون الأول والتدابير الجيدة الكيموس والردئية الكيموس، وبعض هذه يمنى بعضا، وذلك أنه يحدث من قبل المزاج الحار حدة الغضب وحدة الغضب أيضا يشتعل ويلهب الحرارة الغريزية، وبخلاف ذلك من كان مزاجه معتدلا، وكان لذلك حركات نفسه معتدلة، قد ينتفع بها فى جودة الكيموس.
فقولنا نحن أيضا موافق للأشياء الظاهرة بالحس، ويشرح ويفسر أسباب ما يصيبنا من الآلام ومن الشراب ومن الأدوية، وأسباب ما نكتسب من التدابير الجيدة والرديئة وأسباب ما ننتفع به من الأعمال والتعاليم ويبين أيضا ليس بدون لك علة الاختلاف الطبيعى من الصبيان. وأما الذين يظنون أن النفس لا تنتفع بمزاج الدبن ولا تضر، فإنه ليس يمكنهم أن يقولو فى اختلاف الصبيان شيئا ولا أن يخبروا بسبب شىء من المنافع والمضار التى تكون لنا من التدابير ومن الأدوية، كما أنه لا يمكنهم أن يخبروا بالعلة فى اختلاف الشعول الذى من أجله كان بعضهم ذا غضب وبعضهم عديم الغضب وبعضهم ذو فهم وبعضهم عديم الفهم. فإن فى الصقالبة رجلا واحدا كان فيلسوفا وهو أناخرسيس، وأما فى أثينية فقد كان كثير من الفلاسفة، وكذلك أيضا فى أبديرى ممن هوعديم الفهم كثير، وأما أثينية فهم قليل.
صفحة ٤٣