ومبدأ جميع القول الذى نريد ذكره هو معرفة اختلاف أفعال النفس وآلامها الظاهرة فى الصبيان الصغار التى منها يتبين قواها وذلك أن منهم من نجده جبانا جدا ومنهم جرىء جدا ومنهم شره ورغيب جدا ومنهم على خلاف ذلك ومنهم ذو قحة ومنهم ذو حياء وأصناف كثيرة شبيهة بهذه نجدها فيهم قد ذكرتها فى موضع آخر.
وأما هاهنا بعد فأكتفى بأن أبين بمثالات أذكرها أن قوى أنواع النفس الثلاثة وأجزائها الثلاثة قد تكون بالطبع فى الصبيان مختلفة. فإنه قد يمكننا أن نتتج من هذا أن طبيعة النفس ليست لكلهم واحدة بعينها، واسم الطبيعة فى هذا الموضع بدل على الشىء الذى يدل عليه اسم الجوهر، لأنه لو لم يكن جوهر أنفسهم مختلفا لكانت أفعالهم كلهم واحدة بأعيانها وكانوا كلهم يألمون آلاما واحدة بأعيانها من أسباب واحدة بأعيانها. فقد وضح أن جوهر أنفس الصبيان مختلف بقدر اختلاف أفعالها والآمها. وإن كان ذلك كذلك فهى مختلافة فى قواها أيضا. وكثير من الفلاسفة قد ارتبكوا فى هذا الموضع، وذلك لأنهم لم يفهموا معنى القوة بالحقيقة، لأنهم فيما أحسب يتوهمون القوى كأنها أشياء حالة من الجواهر، كما نحل نحن فى المنازل، ولا يعلمون أن كل شىء مما يكون فله سبب ما فاعل يفهم على الجهه الإضافة إليه وأن هذا السبب إذا أنزلته شيئا من الاشياء، إلا أنه سبب كان له اسم مفرد، وإذا عملت على أنه سبب من جهه نسبته الى الشىء الكائن منه فهو قوة للشىء الكائن منه. ومن أجل ذلك قد نقول: إن عدد قوى الجوهر كعدد أفعاله.
صفحة ١٠