فننصت الآن لقول أرسطاطاليس فى المقالة الأولى من الأخبار عن الحيوان، قال: وأما من الوجه فالجزء الذى أسفل من مقدم الرأس فيما بينه وبين العين يسمى الجبهة. ومن كان هذا الجزء منه كبيرا كان أبطأ حركة، ومن صغر هذا منه كان أسرع حركة، ومن كان فيه عريضا كان طياشا، ومن كان فيه مستديرا كان غضوبا. فهذا واحد من أقويله، وله قول آخر قاله بعد هذا بقليل على هذا النحو قال: أسفل من الجبهة الحاجبان. فإن كانا مستويين فإنهما يدلان على سخنة رخوة، وإن كانا مائيلين إلى ناحية الأنف فإنهما يدلان على خلق كيس، وإن كانا مائلين إلى ناحية الأصداغ فإنهما يدلان على خلق أحمق هزلى. ومن بعد هذا الكلام بقليل قال : وأما الجزء الذى يتصل عنده الجفن الأعلى والجفن الأسفل فهو مأق العين، ومن المآقى اثنان عند الأنف واثنان مما يلى الأصداغ. وإذا كانت المآقى مستطيلة فإنهما يدلان على خلق ردىء، وإن كانا اللذان يليان الأنف لحما كالذى للإقطانس فإنهما يدلان على الشرارة. ومن بعد ذلك أيضا قال: وأما العينان فإن بياضهما وأكثر ذلك متشابهة فى الناس، وأما المسمى سوادا فيختلف، وذلك أنه فى بعض الناس أسود خالص وفى بعضهم شديد الزرقة وفى بعضهم أشهل، وهذا خاصة يدل على خلق فاضل جدا. ومن بعد ذلك يضع هذا القول: والعينان منها كبار ومنها صغار وأفضلها كلها المتوسطة. ومنها ناتئه إلى خارج جاحظة جدا ومنها غائرة إلى داخل ومنها واسطة بين ذلك، والغائرة منها تدل على حدة بصر فى جميع الحيوان، وأما المتوسطة فتدل على خلق فاضل، و〈منها〉 المحدقة [القلية] النظر ومنها القليلة التحديق ومنها المتوسطة وهى تدل على خلق فاضل جدا، وأما من القسمين الباقيين فالحدقة تدل على قحة والقليلة التحديق على 〈عدم〉 ثبات. ومن بعد هذا بقليل لما أخذ فى ذكر الأذنين تكلم فى عظمهما بهذا الكلام، قال: بعضها كبار وبعضها صغار وبعضها متوسطة، وبعضها كبيرة النتوء وبعضها ليس لها نتوء بتة وبعضها متوسطة فى ذلك، فالمتوسطة منها فى الوجهين تدل على خلق فاضل، وما كان منها كبيرا وناتئا فإنه يدل على عى فى المنطق وهذيان. فهذا ما وضع أرسطاطاليس فى كتابه فى القصص عن الحيوان. وقد ذكر فى كتبه الأخر مرارا كثيرة آراء فراسية، لو لا أننى أفنى الزمان باطلا وأن يظن بى أنى مطيل الكلام لأبنت الشهادات من ذلك الكلام. وأنا قادر أن أستشهد من كان متقدما لجميع الأطباء والفلاسفة فى استنباط علم ذلك، أعنى بقراط.
[chapter 8] (الباب الثامن فى التأثيرات الإقليمية على أخلاق الإنسان وعقله حسب ما قال إبقراط فى كتاب أصناف الهواء والمياه والمواضع)
صفحة ٢٨