قال جالينوس إن ابقراط بعد أن تقدم إلينا فيما سلف من كلامه قبل هذا أن نضع مبادئ الأشياء التى منها يكون العقد لا فى موضع القرحة لكن فى موضع آخر يصلح أن يوضع فيه العقد أيضا قد أخذ الآن فى تعليمنا وتعريفنا هذه المواضع التى ينبغى أن يوضع الرباط فيها وقد يكون مرارا كثيرة تعليم الإنسان وما يخبر به عن الأمور لا من الأعراض اللازمة لها لكن من أعراض غير لازمة لها وهى التى يسميها اليونانيون ابوسمبابيقا وإنما يسمون بهذا الاسم الأعراض التى يمكن أن تلزم الشىء إلا أنها لم تلزمه فكلام ابقراط هاهنا إذا صرف إلى المعنى الذى أشار إليه كان بالقوة على هذا النحو ينبغى لك أن تضع العقد لا على القرحة لكن حيث يمكن أن تجعل ذهابه وإمعانه إلى فوق بعد أن تحذر وتتوقى من موضع المحاكة ومن موضع العمل ومن الموضع الثالث العطل وأراد بقوله موضع المحاكة الموضع الذى يختل فيه عضو من أعضاء البدن بشىء يلقاه وأراد بموضع العمل الموضع الذى فيه للعضو عمل وفعل يفعله إما بأن ينقبض وإما بأن ينبسط وإما بأن يزول إلى أحد الجانبين فموضع المحاكة من الماشى هو أسفل قدميه ومن المستلقى على قفاه جميع ما هو من بدنه من خلف وأكثر ما تناله المحاكة فى الاستلقاء ما كان من الأعضاء باق بارز عن الرأس إلى خلف وأما الجالس فموضع المحاكة منه ما يلى الأليتين الحرقفتين وإذا كان الإنسان يريد أن يعمل بيديه وهو مربوط فتفقد وانظر أى عمل يريد أن يعمل وفيماذا عمله من الأشياء التى من خارج فإنك إذا تثبت فى ذلك أمكنك أن تقف على موضع المحاكة منه والأعمال الأمر فيها بين أنها إنما تكون بالمفاصل فتوقى المفاصل دائما وخاصة المفاصل التى بها يكون العمل والمريض عليه الرباط والأمر فى أن ابقراط قد أحسن فيما وضع وأوصى به من أن يكون العقد الضابط لجميع الرباط لا يوضع على الأعضاء التى تتغير أشكالها ونصبتها عند الحركات واضح بين فإنه متى كان ذلك وجب ضرورة أن يكون العقد فى بعض الأوقات مسترخيا ومرة يكون شديدا يضغط المفصل الذى وقع عليه أى المفاصل كان فأما الذى قاله ابقراط فى آخر كلامه هذا وسماه عطلا فجميع المفسرين يفهمون عنه أنه أراد به الموضع الذى لا عمل له بمنزلة ما لو أنه قال موضع عديم العمل واليونانيون يصرفون هذا الاسم أعنى العطل على إنسان يظن أنه أصم لا يفصح الكلام وكما أن من هذه حاله لا يصلح ولا ينتفع به فى الأفعال التى يحتاج إليها الناس فى تصرفهم ومعاشهم أصلا كذلك زعموا سمى ابقراط ما ليس فيه شىء من المنافع للرباط عطل وقد يمكن أن يكون ابقراط كتب اسم العطل باليونانية على غير هذا فكان يدل على الفارغ الخالى ولكن وقع فى الكتاب غلط من الناسخ فى أول الأمر وبقى يتداوله الناس على الغلط فيصير عطلا والمعنى فى القول على هذه النسخة أيضا أعنى التى فيها مكان العطل فارغ أو خال هو المعنى الذى تدل عليه النسخة التى فيها العطل نفسه لأن الفارغ هو هذا الذى نسميه نحن معطلا ومخلى وقد يسمونه أيضا غير نافع ونحن نعرف قوما كثيرا يدعوهم الجهل وقلة المعرفة أو المحبة لأن يظن بهم الناس أن معهم فضل عناية إلى أن يعقدوا مرارا كثيرة الرباط عقدا لا ينتفع به فبهذا السبب قال ابقراط كيما لا يكون موضوعا باطلا فإن ما هو باطل فالأمر فيه معلوم أنه لا منفعة فيه ولا معنى له وقد ظن رجل ممن فسر هذا الكتاب أن قول ابقراط هاهنا باطل إنما يريد به الموضع الخالى بمنزلة ما لو أن إنسانا لقب الإبط (أو) منثنى الركبة أو الأربية بهذا اللقب وجعلها تقع فى القسمة محاذية للكتفين والركبتين والوركين وذلك زعم لأنه ينبغى أن يلطأ العقد على البدن ويلزق به ولا يكون كأنه شىء معلق فإن العقد زعم يكون كذلك فى الإبط وفى منثنى الركبة فمن رأى أن هذا القول قول قصد فهو متسلط أن يستعمله فإن الكلام الغامض قد يستحسن الناس فيه من الشرح الشىء الذى يقنع اليسير من الإقناع قال ابقراط وأما العقد والخيط فليكن لينا ولا يكن عظيما
صفحة ٢٤