قال جالينوس أما السبب الذى مكانه أدخل فى الكلام فى الرباط الكلام فى هذه فينظر فيهما بعد وأما الآن فأولى الأمور بأن نجعل أول ما نلتمس فهم ما قال فإن المفسرين قد اختلفوا فيه وذلك أن منهم من فهم عنه قوله إلى ناحية فوق وإلى ناحية أسفل فهما مطلقا أنه إنما أراد به مسافة الطول ومنهم من فهم عنه أنه إنما أراد بذلك مسافة العمق ولم يشرح ولا الواحد من الفريقين ما أراد بقوله إمعان وذهاب لا فى العقد ولا فى الخيط وأنا أقول إن الأمر عند جميع الناس واضح انه إنما عنى بقوله عقد الشىء الذى يكون من الرباط إذا ربط الواحد من طرفى الخرقة بالآخر أو شق أحد طرفيها فصارت منه زاويتان تربط إحداهما بالأخرى وربما زيد عليهما مرارا كثيرة آخر ثالث وهو الذى يسمى قيد فربطا به من خارج وكذلك الأمر فى قوله خيط إنما يريد به الشكل الذى يدخل فى ثقب الإبرة إما لنجمع به جزءى جسم قد تفرقا بقطعنا له فاحتاج أن يخاط وإما لنخيط به طرف الخرقة التى يربط بها العضو مع أجزاءها المتقدمة التى قد صارت على العضو من تحت الطرف وكلامه هذا الخاص إنما هو فى الخيط الذى يهيأ لهذه المنفعة فهو يأمر أن يكون ذهاب هذا الخيط وإمعانه إلى فوق وقد كان ينبغى أن يعلمنا هو ما معناه فى الذهاب والإمعان وما الذى يريد به إذ كان قد نجده مرارا كثيرة يستعمل هذا الاسم ويصرفه على ذهاب الرباط وإمعانه منذ ابتدائه إلى منتهاه من ذلك أنه فى كتاب الكسر قد أمرنا أن نضع مبدأ الرباطين كليهما على نفس الكسر ثم نذهب ونمعن بالذى وضعناه أولا إلى فوق ونذهب ونمعن بالرباط الثانى فى أول الأمر إلى أسفل ثم نأخذ به أيضا إلى فوق فأراد بقوله ذهاب وإمعان الشىء الذى هو بمنزلة المسير للرباط وهو الذى نفعله نحن فى بدن المريض بلفنا عليه الخرق عند أول موضع نضعها عليه حتى ننتهى إلى أقصى موضع يحتاج إلى ذلك منا وبقياس ذهاب الرباط وإمعانه معنى ذهاب الخيط وإمعانه وذلك أنه لما كانت الإبرة قد يمكن فيها أن تنفذ وتمضى منكسة من فوق إلى أسفل ويمكن فيها خلاف ذلك وهو أن تنفذ وتمضى قائمة منتصبة إلى فوق ويمكن فيها أيضا أن لا تميل فى نفوذها ومضيها لا إلى واحدة من الناحيتين لكن تمر غير زائلة عن الاستقامة إما من الجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن وإما من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر يأمر هو أن نمر بها فى كل وقت وفى كل موضع إلى ناحية فوق فإن كان الذى يحتاج أن يخاط إنما هو طرف الرباط بالجزء الذى هو منه تحت الطرف فقط فلا بد لنا ضرورة فى الرباط الذى لا حاجة بنا فيه إلى أعضاء مخالفة الوضع بمنزلة ما يتهيأ لنا ذلك فى الساعد وفى العضد وفى الفخذ وفى الساق من أن نجعل الإبرة تذهب إما من الجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن وإما على خلاف ذلك وفى الوجهين كليهما نروم أن نجعل ذهابها منعرجا إلى فوق فأما الرباط الذى نحتاج فيه إلى أعضاء موضوعة فى خلاف الناحية التى فيها العضو الذى يربط بمنزلة ما يتهيأ ذلك فى الكتف وفى الورك فينبغى لنا أن نلتمس تصيير ذلك بطرف الخرقة ومنتهاها ذاهبا إلى فوق ثم ندخل الإبرة ونغرزها هناك من أسفل إلى فوق ونجعل الخياطة خياطة إذا اجتذبنا بها الخيط لا نجذب به الجزء المرتفع من أجزاء الخرقة إلى أسفل بل نجذب به الجزء الأسفل منها إلى فوق لأن هذين أمران قد يمكن أن نفعلهما جميعا فى تلفيفنا أجزاء الخرقة معا بالخياطة ولكن ينبغى لنا من بعد ما ننفذ الإبرة والخيط فى الخرق أن نمد الجزء الأسفل من الخيط إلى فوق ولا نمد الجزء الأعلى منه إلى أسفل ويكون غرضنا فى ذلك أن نكون نجتذب ونشيل بالأجزاء العالية من الخرقة الأجزاء التى هى أسفل وهذا شىء يأمرنا أن نفعله فى جميع الأوقات أعنى فى الوقت الذى يدفع المريض عضوه العليل إلى الأطباء ليتعرفوا علته وفى هذا الوقت الذى يهيئونه الأطباء للعلاج باليد وفى الوقت الثالث وهو وقت عمل ما يعمل باليد مما الرباط جزء منه وفى الوقت الرابع فسمى الوقت الأول فى الإعطاء وسمى الثانى فى الإمساك وسمى الثالث فى الرابط وسمى الرابع فى الضغط وقد غير قوم اسم الضغط باليونانية فجعلوه الإمساك فيما بعد وأنا لهذا أكثر استصوابا وذلك أن ابقراط أيضا فيما مضى من هذا الكتاب قد سمى مثل هذا الوقت إمساكا فيما بعد وأمر ابقراط معلوم أنه كما يريد أن يكون الأعضاء المربوطة تحفظ فى جميع الأوقات على نصبة واحدة كذلك يريد أن يكون ذهاب الرباط والخيط دائما إلى فوق فيكون أولا طرف خرقة الرباط يمد إلى فوق ويمسك هناك بوثاقة ويكون جميع الرباط على مثل ذلك بما يكتسبه من هذا الطرف ولكن هاهنا شىء يستحق أن يستقصى البحث عنه والنظر فيه وهو شىء قد أغفله جميع المفسرين وتركوه غير مشروح وهو أن ذهاب الرباط والخيط وإمعانهما ينبغى أن يكون فى الوقت الذى يدفع المرضى أنفسهم إلى الأطباء كمثل ما يكون فى سائر الأوقات الأخر إلى الناحية العليا من العضو فإن الناس الذين يأتون الطبيب منهم قوم يأتونه وهم يمشون بأرجلهم ومنهم قوم يأتونه وهم محمولون بحسب ما يرى كل واحد منهم أن يجعل عمله وفى بعض الأوقات يأتونه وأعضاؤهم العليلة معلقة تعليقا أو مربوطة فقط وفى بعضها تكون تلك الأعضاء منهم جامعة الأمرين أعنى مربوطة معلقة وإذ كان الأمر على هذا فهم المسلطون على العقد وعلى الخيوط لا الأطباء الذين يريدون أن يتبينوا أحوالهم ويعالجوهم وعسى أن يكون ابقراط يرى من الرأى أن أصحاب العلل قد يحتاجون مرارا كثيرة إلى الأطباء فى ذلك الوقت من ذلك أن الناس قد يصابون مرارا كثيرة وهم على سفر أو فى صحراء من ضربة تنالهم أو جراحة يحتاج فيها إلى جمع عدة كثيرة من الأطباء وإلى نظر شاف مستقصى وإلى أبواب أخر أو أدوية أو خرق أو نطولات بها تكون مداواتهم وليس منها واحد يوجد فى الصحراء ولا فى السفر فإذا وجدوا فى ذلك الوقت ربطوا أعضاءهم العليلة وعلقوها بما يتهيأ لهم من الخرق ومن المعلوم أنه إن احتاج أن يقيد الرباط بعقد يعقده أو بخياطة يخيطها فعل من ذلك ما يحتاج إليه فعل صواب وكذلك أيضا إن دفع المريض نفسه فى المدينة إلى الأطباء المألوفين ليتعرفوا أولا ما أصابه من العلة تعرفا شافيا ثم يردوا بعد ذلك المفاصل إن كانت انخلعت إلى مواضعها أو ليجبروا ويقوموا ويصلحوا العظام إن كانت انكسرت أو ليخيطوا جراحة إن كانت وقعت أو ليشدوا فسخا إن كان عرض ويعنوا به العناية الموافقة له كان الأمر واضحا أن الأطباء يربطون الرباط الذى ينبغى ثم انهم من بعد الرباط يحرصون على استبقاء العضو وحفظه بالشكل والنصبة التى أرادوها بعينها
قال ابقراط المبادئ ينبغى أن توضع لا على القرحة لكن حيث العقد
صفحة ١٦