فقد رأيت أنا وجدنا بهذا المريض، حين فتشت عن خبره، أن هذا المريض قد أطعم بالليل مرتين، لما خافوا عليه من الضعف. وكان من رأيهم أن يطعموه بالنهار أكثر من مرتين. فحسمته الغذاء، وأمرته ألا يتناول الغذاء بتة، فضلا عن أن آذن فى أن يطعم مرارا كثيرة وخبرنا أولياءه بأنه يحتاج إلى استفراغ كثير، وإنى لولا أنى رأيت طبيعة مستعدة لفعل ذلك فى غد ذلك اليوم، لكنا نحن سنفعل ذلك. فلما أن كان هذا، اشتدت الحمى بالمريض منذ أول الليل بأكثر مما كانت تشتد وزاد اختلاط عقله، فأرعب ذلك أهله. فأعلمتهم أنه لا بأس عليه وأنه سيعرق عند انحطاط تلك النوبة من حماه. ثم فارقتهم. فمضت بالمريض تلك الليلة ولم يعرق، وجعل اختلاط عقله يتزيد حتى بلغ من ذلك إلى الغاية القصوى. فأتانى رجل من أهله فى السحر فأخبرنى بما كان من أمر المريض. وسألنى أن أنظر له فيما ينبغى أن يعالج به. وجعل يومئ إلى أنى قد أخطأت فيما تقدمت بالحكم عليه من أمر محنتى لعرقه. وأنى لم أصب فى حسمى إياه الغذاء بالأمس. وذلك أنه ذكر لى أمر تغذيته وشاورنى فيه وفى صب بعض المياه على رأسه أو وضع بعض الأدهان عليه التى من عادتنا أن نستعملها فى أصحاب الحمى الحادثة مع ورم الدماغ: مثل الخل مع دهن الورد، ودهن الورد المبرد، والماء الذى قد طبخ فيه أو نقع الدواء المسمى سفندولين والدواء المسمى ارفلس، وما أشبه ذلك. ومن هذا خاصة قد تعلم علما بينا أن العلاج الصواب مقرون بصحة تقدمة المعرفة.
صفحة ٨٢