فإذا أردت أن تمتحن من أمر الطبيب أولا هل يعلم أمر الطب أم لا يعلم، فابدأ أولا أسئله عن هذه الأشياء التى وصفت «أين قالها أبقراط، وكيف قالها، وما البراهين التى يثبتها بها؟» فإنك تجد كثيرا ممن هو فى دهرنا هذا مشهور بالطب، مقبول القول فيه، لا يعلم فى أى الكتب ذكر أبقراط هذه الأشياء ولا يقف على القياس الذى أداه إليها. وإذا وجدت هذا فقد ميزت بينهم وبين أخساء الأطباء فضلا عن أئمتهم وأفاضلهم. وإن وجدت أحدا منهم إذا سألته عن شىء من هذه الأشياء والأمور يخبرك به ويوقفك عليه من الكتب فسله «هل وافق ارسسطراطس أبقراط فيما أمر به من تدبير المرضى أو خالفه فى شىء، أو فى أشياء، أو فى جميع الأشياء؟ أو أمر بضد ما أمر به؟» وكذلك فسله عما قال سائر المشهورين من الأطباء وهم ديوقلس وفلسطونيقس وفولوطيمس وفركساغورس وديوخس وايروفلس واسقلبيادس. فإنه إن كان سلك فى التعليم المسلك الذى ينبغى قدر أن يصف لك رأى كل واحد من هؤلاء. فإن كان بالحقيقة كاملا، فإنه يصف لك مع ما يصف من أقاويل القدماء، أقاويل من أتى بعدهم من الأطباء، وما خالفوهم ووافقوهم فيه. ثم يخبرك بما يحكم به فيما اختلفوا فيه، ويبين لك صواب من أصاب منهم، ويكشف خطأ من أخطأ. إلا أن هذا الطريق مما يحتاج أن يكون الممتحن للطبيب به قد ارتاض فى علم البرهان. وذلك أنه لا يقدر أن يفهم البرهان إلا من تقدم فتعلمه وعرفه: كما أنه لا يقدر أن يحسب إلا من قد تعلم الحساب. ولو كان الأغنياء وذوو المقدرة والجاه يميزون بين البرهان الصحيح وبين القول المموه، لكانوا قادرين على أن يمتحنوا كل واحد من الأطباء بالمناظرة من غير أن يحتاجوا إلى اختياره فى علاج المرضى. ولكن إذا كانوا إلى جميع الأشياء أسرع منهم إلى الارتياض فى هذا، فلا أقل من أن يبحثوا عنهم ويمنحوهم فى علاج المرضى ويعرفوا مقدار كل واحد منهم، وكم نقصانه عن الطبيب الكامل. وذلك أن الطبيب الكامل يتقدم فيعرف منذ أول المرض، طبيعة المرض، ووقت منتهاه، وبحرانه متى يكون. والذى ليس كذلك، فعلى حسب ما يتبين من خطئه فى كل واحد من هذه الأشياء يكون نقصانه عن الكامل.
صفحة ٧٠