فمن هذا وشبهه ليس يعسر على الناس، وإن لم يعرفوا شيئا من الطب، أن يفرقوا بين الطبيب الحاذق، وبين من قد انتشر له الذكر عن غير خبر. ومن شأن الحاذق أن ينذر بأشياء كثيرة من أشباه هذه الأشياء. والمموهون لا يعرفون فى أى كتاب كتبت تلك الأشياء، فضلا عما سوى ذلك. ويغذون المريض وهو إلى الاستفراغ أحوج، ويستفرغون الدم ممن إذا استفرغ سقطت قوته ووقع فى الغشى، وهو إلى ترك الدم أحوج. ولا أدرى أى هذين الفعلين أقبح. وقد وصف ذلك بالقبح أبقراط قبلى حين قال «إن من أردأ الأشياء أن يكون ضعف المريض لشدة من الوجع وحدة من المرض فيؤمر بفضل تناول من شراب أو حسو أو طعام والآمر بذلك يتوهم أن ضعف المريض إنما هو من خوائه. ومن أقبح الأشياء أن يكون ضعف المريض من خوى فلا يعلم ذلك الطبيب ويضيق على المريض فى الغذاء.» وليس يسلم الطبيب من هذا القبح إلا بالوجه الذى وصفه أبقراط من تقدمة المعرفة بالأشياء الحاضرة والأشياء الحادثة بعد. وهذا الذى وصفنا من أمر المتعاطين للطب على غير حذق به قبيح. وأقبح منه كثيرا ما نراه منهم دائما: أن المريض يختلط ويثب من فراشه عن غير فهم وتشتد حماه وربما عرض له نفس شديد بغتة مع ما وصفنا، أو نقصت نفسه وذبلت أو عرض له وجع شديد ونافض، أو غير ذلك مما أشبهه. واشتد اضطراب أهل المريض لتوقعهم له الموت، والطبيب فيما بينهم حائر عديم الحيلة. ثم لا يلبث المريض أن يعرض له رعاف على طريق البحران، أو عرق أو تستطلق بطنه أو يعرض له قىء. وإن كانت إمرأة انبعث طمثها، أو عرض غير ذلك مما أشبهه ولم يتقدم من حضر من الأطباء فيعلم ذلك قبل حدوثه وينذر به.
صفحة ٦٤