عجبت لمعشر عدلوا
بمعتمر أبا عمرو
فكتب أبا بشر، وقرأ أبا فحص، واستملى أبا زيد.
وفي تاريخ ابن عساكر، قال أبو بكر محمد بن إسحاق: قال لي إبراهيم بن محمود ونحن ببغداد: ألا ندخل على عمرو بن بحر الجاحظ؟ فقلت: ما لي وله؟ قال: إنك إذا انصرفت إلى خراسان سألوك عنه، فلو دخلت عليه وسمعت كلامه. ثم لم يزل بي حتى دخلت عليه يوما، فقدم إلينا طبقا عليه رطب، فتناولت منه ثلاث رطبات وأمسكت، ومر إبراهيم فأشرت إليه أن يمسك، فرمقني الجاحظ فقال لي: دعه يا فتى، فقد كان عندي في هذه الأيام بعض إخواني، فقدمت إليه الرطب فامتنع، فحلفت عليه فأبى إلا أن يبر قسمي بثلاثمائة رطبة.
حسن محاضرته
لم يكن الجاحظ من أولئك العلماء المتزمتين الذين زووا وجوههم عن المجتمع، وتجاهلوا ما يحيط بهم من أحوال عصرهم، واقتصروا على فهم الحياة من الكتب؛ كلا، فلقد كان كثير الاختلاط، يلابس طبقات الناس كلها، من الخليفة وحاشيته إلى الحراس.
1
فأضاف إلى واسع روايته في الأدب عظيم خبرته لأهل زمانه، فضلا عن حدة ذكائه وقوة عارضته، وعما ركب في طبعه من حب الدعابة والفكاهة؛ فليس عجيبا أن يكون حلو الحديث حسن المحاضرة حاضر الجواب سريع النكتة، وحسبنا أن نروي من ذلك قصة رواها ابن خلكان؛ قال: قال الجاحظ: ذكرت للمتوكل لتأديب بعض ولده، فلما رآني استبشع منظري، فأمر لي بعشرة آلاف درهم وصرفني، فخرجت من عنده فلقيت محمد بن إبراهيم وهو يريد الانصراف إلى مدينة السلام، فعرض علي الخروج معه والانحدار في حراقته، وكنا بسر من رأى، فركبنا في الحراقة، فلما انتهينا إلى فم نهر القاطول نصب ستارة وأمر بالغناء، فاندفعت عوادة فغنت:
كل يوم قطيعة وعتاب
ينقضي دهرنا ونحن غضاب
صفحة غير معروفة