143

جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس

الناشر

الدار المصرية للتأليف والنشر

مكان النشر

القاهرة

ومغن محسن يسايره فيها؛ قال: فلما بلغ هذا المبلغ انقطع أسلم عن جميع مجالس الطلب، ولزم بيته والجلوس على بابه، فكان أحمد بن كليب لا شغل له إلا المرور على باب دار أسلم سائرًا، ومقبلا نهاره كله فانقطع أسلم عن الجلوس على باب داره نهارًا، فإذا صلى المغرب واختلط الظلام، خرج مستروحًا، وجلس على باب داره، فعيل صبر أحمد بن كليب، فتحيل في بعض الليالي ولبس جبة من جباب أهل البادية، واعتم بمثل عمائمهم، وأخذ بإحدى يديه دجاجًا، وبالأخرى قفصًا فيه بيض، وتحين جلوس أسلم عند اختلاط الظلام على بابه، فتقدم إليه وقبل يده، وقال يأمر مولاى بأخذ هذا، فقال له أسلم: ومن أنت؟ فقال: صاحبك في الضيعة الفلانية، وقد كان تعرف أسماء ضياعه، وأصحابه فيها، فأمر أسلم بأخذ ذلك منه، ثم جعل أسلم يسأله عن الضيعة، فلما جاوبه أنكر الكلام وتأمله فعرفه، فقال له: يا أخي! وهنا بلغت بنفسك، وإلى ها هنا تبعتنى، أما كفاك انقطاعى عن مجالس الطلب، وعن الخروج جملة، وعن القعود على بابى نهارًا؟ حتى قطعت علي جميع ما لي فيه راحة، فقد صرت من سجنك. والله لا فارقت بعد هذه الليلة قعر منزلي، ولا قعدت ليلًا ولا نهارًا على بابي؛ ثم قام، وانصرف أحمد بن كليب كئيبًا حزينًا؛ قال محمد بن الحسن: واتصل ذلك بنا، فقلنا لأحمد بن كليب، وخسرت دجاجك وبيضك؟ فقال: هات كل ليلة قبلة يده وأخسر أضعاف ذلك؛ قال: فلما يئس من رؤيته ألبتة نهكته العلة، وأضجعه المرض؛ قال محمد بن الحسن: فأخبرني أبو عبد الله محمد بن خطاب شيخنا، قال: فعدته فوجدته بأسوأ حال، فقلت له: ولم لا تتداوى؟ فقال: دوائى معروف، وأما الأطباء فلا حيلة لهم في ألبتة، فقلت له: وما دواؤك؟ فقال: نظرة من أسلم، فلو سعيت في أن يزورني

1 / 144