وفي صرخة طفلة ساذجة: خذني معك. - هذه المرة لا، ولكن من يعلم ربما نعيش هناك. - والنبي؟ - والنبي. - أنا سأبشرك بشرى حلوة. - هل أنت حامل؟ - في الشهر الثاني. - أرجو أن يكون ولدا. - إن شاء الله. والبنت ما لها؟ - الولد يختار عروسه، أما البنت فيختارها العريس. - وما له؟ - على رأيك. ولكن لا تتعبي نفسك في شغل البيت. - إذن أعد وهيبة إلى خدمتنا. - ليس إلى هذا الحد. - تساعدني؟ - الأمر لا يحتاج إلى مساعدة. حين تلدين قد نفكر أن نأتي لك بمن يساعدك. - ربما نكون في مصر، والخدم هناك أجورهم عالية جدا. نحضر وهيبة من الآن بأجرها الضئيل، ونأخذها معنا إلى مصر وسيكون هذا أوفر لك. - وهل تذهب وهيبة إلى مصر؟ - وماذا يمنعها؟ إنها مقطوعة من شجرة. - والله فكرة. أحضريها. - ربنا يطيل عمرك.
وهكذا عرفت صبيحة مداخل الطلب من زوجها، فهو لا يقبل على شيء إلا إذا كان يوفر له مالا، ولا يعنيه شيء في العالم غير هذا.
ولذلك فهو غير غاضب على زوجته صبيحة ذات الجهل الفاضح، حتى إنه لا يستطيع أن يحادثها في أي شيء من مشروعاته المالية. وإن كانت صبيحة تعرف القراءة والكتابة فإن هذه المعرفة منها لا تعنيه في شيء، فهو نفسه لا ينتفع بما تعلمه من قراءة أو كتابة. حتى الصحف لا يشتريها فإن وجد منها شيئا عند صديق له لا يكاد يقرأ فيها شيئا. ولذلك وجد في صبيحة كل ما تهفو إليه نفسه. فهي في البيت لخدمته فقط. وإذا كان لها طلب عنده فهي تدري كيف تطلبه منه بذكاء فطري عفوي. فمثلا حين أرادت أن ترجوه أن يشتري لها فستانا قالت في خبث فطري: أنا الآن زوجتك ومقامي من مقامك. - طبعا. - والفلاحات كثيرا ما يحضرن إلي. - المهم؟ - إذا رأينني ألبس كما يلبسن سيلقين عليك أنت اللوم. - طظ. - النسوان كما تعرف صاحبات تأثير كبير على أزواجهن، وأنت لن تستطيع أن تعيش وحدك. - أنا أعيش مع أموالي. - أموالك هذه لن تغنيك عن معاشرة الناس. - المهم ماذا تريدين؟ - فستانين. - لما نذهب إلى مصر. - يكون أحسن. ولكني في مصر سأقابل ستات وسيعرفن أخلاقك من ملابسي. والذين سنذهب إليهم في مصر لا يعرفونني ولا يعرفونك، وسيحكمون بنظرتهم إلى ملابسي إن كنت تنفق على أهل بيتك أو أنك بخيل. - والله صحيح. - طبعا صحيح. - حين أرجع من مصر أشتري لك فستانا. - واحدا؟ - اثنين. •••
الفصل السادس
نزل من القطار وراح يسأل الناس أن يدلوه على المواصلات الذاهبة إلى روض الفرج، فلم يستطع أحد أن يدله. فاحتسب الله وركب سيارة أجرة ... والنزول من سيارة يعطيني قيمة غير الذهاب للمعلم متولي ماشيا.
لم يكن عسيرا عليه أن يجد الوكالة التي يبحث عنها. وعاجله المعلم متولي: يا مرحبا يا أهلا وسهلا. ماذا تشرب؟ - ما تشاء. - يا سعيد قل لهم أن يأتوا بكوب عصير قصب لعمك توفيق بك.
ونزل لقب بك على قلب توفيق بردا وسلاما، فهم هنا لا يعرفون بعد أنه مراب كما كان أهل بلدته يعرفون. ولهذا لم يكونوا ينادونه إلا بتوفيق أفندي. وانتبه من سرحته ليقول في سرعة: تشكر.
ووجد متولي يقول: أولا أعرفك بابني البكري سعيد. أخرجته من المدارس ليكون معي في الوكالة. - خيرا فعلت. باسم الله ما شاء الله! أهلا يا عم سعيد. - عمك توفيق بك صبحي سيصبح كما قلت شريكا لنا.
ويقول سعيد: يا أهلا يا مرحبا! ربنا يجعل قدومه علينا أخضر إن شاء الله.
ويقول متولي: من أجل هذا طلبت عصير قصب، فالذي أوله سكر سيكون كله سكر.
صفحة غير معروفة