3 ... عند حديثه عن الحقائق الحادثة أو العارضة في مقابل الحقائق الضرورية. فالحادث أو الحقيقة العارضة - وضدها كلاهما ممكن؛ فالقضية التي تعارض الحقيقة التي تقول «إني جالس ها هنا في هذه اللحظة» - قضية ممكنة لأنها لا تناقض نفسها تناقضا مباشرا. وبالتالي فإن حقيقة الأشياء العارضة لا تقوم على مجرد إمكانها؛ ذلك لأنها ليست - دون أضدادها - حقيقة أو واقعة بفضل ماهيتها ذاتها أو فكرتها، بل إن سببها الكافي يكمن فيما يجاوز ذاتها، إذ يكمن في علاقتها بغيرها من الأشياء. فالحقائق العارضة في ذاتها - وكذلك أضدادها - كلاهما ممكن على حد سواء، لكننا إذا نظرنا إليها في علاقتها بغيرها من الأشياء، وجدنا أن الحقيقة المعينة قد تكون ممكنة وهي قائمة وحدها. حتى إذا ما نظرنا إلى الأشياء المتعلقة بها وجدناها قد أصبحت مستحيلة الحدوث في تلك المجموعة المرتبطة بها، فمثلا لو نظرنا إلى الحقيقة القائلة «بأني جالس هنا في هذه اللحظة» لا في حد ذاتها، بل في علاقتها بعدد غير معين من الحقائق الأخرى مثل: عاداتي، خلقي، عملي، هذه الساعة من النهار ... إلخ، فسوف نجد أن الحقيقة وحدها هي الممكنة ، وأن ضدها في هذا السياق مستحيل. فعلى الرغم من أن أضداد الحقائق العارضة ليست متناقضة ذاتيا، فإنها تناقض النسق بصفة عامة ... أعني أنها تناقض المجموعة المرتبطة بها، فكل منها ممكن الحدوث، لكنها ليست ممكنة في اتصالها، فهي إذا ما ارتبطت ناقض بعضها بعضا. أو بعبارة ليبنتز: «إن الحادثة العارضة المعينة قد تكون ممكنة في حد ذاتها، لكنها لا تكون ممكنة إذا وضعت في سياق معلوم من حادثات أخرى تكون لها سياق حدوثها، وبالتالي فإن معية الإمكان
Compossibility
أو الاطراد مع نسق الأشياء الفعلي، هو المقياس الصحيح للحقيقة، هو السبب الكافي. فكل شيء ممكن له ماهية أو معنى، لكن نحفظ ما هو ممكن بالتوافق مع غيره
Compossible
هو الذي يتحقق بالوجود.»
4 (ب) لكن ليس كل الجبريين من هذا الطراز؛ إذ يعتقد فريق منهم أن الافتراض نفسه القائل بأن الجوهر يمكن أن يكون في حالة مختلفة عن تلك الحالة التي كان عليها من قبل - لا بد أن يكون هو نفسه افتراضا مستحيلا، وبناء على رأي هذا الفريق، فإن الجوهر الذي يكون في حالة مختلفة في لحظة معينة عن الحالة التي كان عليها «ج» في «ل» فإن هذا الجوهر لا بد بالضرورة أن يكون جوهرا مختلفا عن «ج».
ولا بد أن يذهب دعاة هذا الرأي أيضا إلى القول بأن جميع العلاقات بين الأشياء علاقات داخلية، أعني أن العلاقة بين جوهر ما وجوهر آخر، إنما تقوم في طبيعة الجوهر نفسه،
5
وبالتالي فإذا ما عرفت جوهرا من الجواهر معرفة دقيقة وشاملة، فإنك سوف تعرف - قطعا - الكون كله، طالما أن معرفة الجوهر الأول تتضمن معرفة العلاقات، كذلك معرفة الحدود التي تربط بينها هذه العلاقات على حد سواء. وماذا عساها أن تعني تلك المعرفة، إن لم تكن تعني معرفة الكون كله؟ ولما كان من المستحيل - في رأى هذا الفريق - أن توجد حدود تقوم بذاتها مستقلة عن العلاقات التي ترتبط بها، وطالما أن «... كل علاقة ... تكيف حدودها بكيف ما ... وهذه العلاقة صفة لهذه الحدود ...»
6
صفحة غير معروفة