Specious Present ، غير أن هذه المفارقة الظاهرية يمكن حلها إذا ما فحصنا الطريقة التي ندرك بها الحركة.
بفضل التجارب المشهورة التي أجراها «فرتهيمر»،
61
أحد مؤسسي مدرسة الجشطالت - على إدراك الحركة، أصبحنا نعرف أن الحركة يدركها الإحساس نفسه المتأني مع الجسم المتحرك، وأن الحركة ليست منتجة تركيبية لعدد غير معين من النقاط المتتابعة، التي ندرك كل منها إدراكا سكونيا، بل إن سلسلة الحركة كلها تدرك مرة واحدة داخل لحظة الانتباه، وهي كلها تدرك على أنها حاضر، ومن المسلم به أن أية عملية لا بد أن يكون لها بداية ونهاية، ولا بد بالتالي أن يكون فيها شيء يسبق شيئا آخر. ومع ذلك فليس في سلسلة الحركة هذه نقطة يمكن أن ينظر إليها على أنها ماضية إذا ما قورنت بغيرها من النقاط، والسبب ببساطة أننا لا نجد نقطة أدركناها قبل غيرها، لأن إدراك السلسلة يتم ككل، فإدراك الحركة هو إدراك متآن. والنتيجة التي وصل إليها «فرتهيمر» تدل على أن المخ في حالة الإدراك لا يتخذ وضعا معينا ثم وضعا آخر بعد ذلك، بحيث يكون كل منهما مستقلا عن الآخر، ثم يقوم بالتأليف بينهما لإدراك الحركة. وبعبارة أخرى، فإن الحركة ليست تأليفا من إحساسات متعددة، كلا، ولا هي نتيجة استدلال عقلي، وإنما تدرك الحركة إدراكا مباشرا، فهي معطى حسي وليست تركيبة ذهنية. وعمليات المخ في حالة إدراك الحركة، هي عملية ديناميكية، أعني عمليات تتفاعل بعضها مع بعض وتتحرك، وربما ساعد ذلك في حل مشكلة زينون الإيلي القديمة؛ فالخطوة التي يخطوها «أخيل
Achilles »
62
ليست مركبة من نقاط منفصلة، لكنها عملية واحدة، أو خطوة واحدة، أو واقعة واحدة، ونحن ندركها على أنها كل واحدة يقبل القسمة لكنه لا ينقسم بالفعل.
وينبغي أن نفرق بين لحظة الانتباه وبين لحظة الزمان الرياضي، على نحو ما يطبق على الحوادث الطبيعية؛ فالأولى لها ديمومة، بينما الثانية ليس لها هذه الديمومة. ومعنى ذلك أنه لو كان من الممكن توضيح لحظة الانتباه بخط له بعد واحد، فإننا يمكن أن نتخيل اللحظة الفيزيائية كنقطة ليس لها بعد على الإطلاق، و«الآن» الموجودة في الخبرة ليست نقطة بين سلسلة ماضية من النقاط وسلسلة مقبلة كما هي الحال في النقطة الرياضية. إذ الواقع أن مثل هذه النقطة الرياضية سلب للزمان. إن لحظة الخبرة التي يتألف منها حاضرنا هي برهة تحوي في جوفها لحظات العالم الفيزيائي الماضية والمقبلة في آن معا. ومجال الانتباه هو دائما موضوع واحد، بمعنى أن تنوع الديمومة بداخله - وهو التنوع الذي يمكن أن نعرفه من الناحية العقلية بتحليل لاحق - يشكل مركبا واحدا لا يقبل القسمة.» الحاضر «رواغ» وهو بهذا الشكل جزء حقيقي من الديمومة، وليس مجرد قطاع عرضي ينقسم إلى ماض ومستقبل كما تتطلب مقتضيات التحليل. وتأثر الفرد بالزمان لا يتخذ شكل الفجائية، لكنه يتخذ شكل الديمومة. والواقع أنه طالما أن كل جزء من أجزاء الديمومة لا بد أن يكون - كما يقول اسبينوزا - هو نفسه ديمومة، فإن الحاضر الذي نخبره من الزمان لا بد أن يكون «رواغا»؛ لأنه ما لم يكن كذلك؛ فإن الزمان الخالص لا يمكن أن يحوي حاضرا، ولا بد أن يختفي كل إدراك. ولن يبقى ماض نتذكره ، ولا مستقبل نتوقعه ؛ إذ لا بد أن يختفي مع الحاضر كل إمكان للذاكرة أو التوقع.»
63
إن انتباهنا الإيجابي النشط إلى الواقع هو الذي يكون كلا من عناصر سابقة ولاحقة، أو «ما قبل وما بعد» - يتضمنها حاضر الديمومة. ولأن عملية الانتباه هي نفسها عبارة عن فعل، وليست مجرد حالة سلبية متقبلة
صفحة غير معروفة