وللإنسان كذلك أعضاء رئيسية أربعة، هي: الدماغ والقلب والكبد والأنثيان (؟)، يقابل كل عضو منها جانبا خاصا من التقسيمات الرباعية السالفة الذكر؛ فالقلب في الأعضاء يقابل الصفراء في الأخلاط، ويقابل القيظ في الفصول، ويقابل النار في العناصر، والنار بدورها مؤلفة من الحرارة واليبوسة وهما من البسائط الأولية، والدماغ في الأعضاء يقابل البلغم في الأخلاط، ويقابل الشتاء في الفصول، ويقابل الماء في العناصر، والماء بدوره مؤلف من البرودة والرطوبة وهما من البسائط الأولية، والكبد في الأعضاء يقابل الدم في الأخلاط، ويقابل الربيع في الفصول، ويقابل الهواء في العناصر، والهواء بدوره مؤلف من الحرارة والرطوبة، وهما من البسائط الأولية، والأنثيان في الأعضاء يقابل السوداء في الأخلاط، ويقابل الخريف في الفصول، ويقابل الأرض في العناصر، والأرض بدورها مؤلفة من البرودة واليبوسة وهما من البسائط الأولية. «هذه هي بنية العالم والطبيعة والإنسان؛ فكان العالم ضرورة إنسانا، والإنسان جزءا صغيرا بالإضافة إلى العالم.»
4
هكذا يقول جابر تعليقا وتلخيصا لهذه التقسيمات الرباعية، وهو قول بالغ الأهمية في تحديد فلسفته الكونية؛ إذ يبين نزعته المشبهة - التي تشبه العالم بالإنسان - وهي نزعة تجعل الكون إنسانا كبيرا، وتجعل الإنسان كونا صغيرا؛ فكل من الجانبين يصور الآخر، كأنما هما خريطتان لشيء واحد اتفقتا في طريقة التصوير واختلفتا في مقياس الرسم وحده. يقول كارا دي فو في مقالته عن جابر: «إن المذهب الموجود في مؤلفاته - وفي كتاب الرحمة بصفة خاصة (وهو كتاب لا شك في نسبته إلى جابر) - هو مذهب موغل في إسقاط الصفة البشرية على الطبيعة، أو إن شئت فقل إنه موغل في بث الحياة في الطبيعة؛ فهو يعد المعدن كائنا حيا، ينمو في حضن الأرض مدة طويلة - آلاف السنين - متحولا من الحالة الناقصة (حالة الرصاص) إلى الحالة الكاملة (حالة الذهب). ومهمة الكيميا أن تعجل عملية التحول؛ إنك لترى جابرا يستخدم عن المعادن ألفاظا مأخوذة من الحياة البشرية؛ كالتوالد والزواج والتلقيح والتربية، كما يستخدم عنها لفظتي الحياة والموت؛ فالعناصر الأرضية الغليظة «ميتة» والخفيفة اللطيفة «حية»، وعنده أن كل جسم كيموي روح وبدن، ومهمة الكيموي أن «يخلص» الواحد من الآخر، لكي يبث في الجسم روحا تلائمه.»
5
وعلى ذكر الغلظة واللطافة في تمييز الأجسام، نعود إلى تقسيماتنا الرباعية، فنقول إن الأخلاط الأربعة في الجسم الإنساني: الدم والصفراء والبلغم والسوداء، تختلف سرعة وبطئا ودقة وغلظا؛ فللدم السرعة والغلظ معا. ألم نقل إنه يقابل في العناصر الهواء، والهواء مؤلف من بسيطين أولين هما الحرارة والرطوبة؟ ثم أليست صفة الحرارة هي السرعة وصفة الرطوبة هي الغلظ؟ إذن فللدم هاتان الصفتان الرئيسيتان: السرعة أخذها من حرارته، والغلظ أخذه من رطوبته؛ وعلى هذا النحو قل: إن البلغم يتصف بالبطء والغلظ معا؛ لأن البلغم يقابل الماء، والماء مزيج من برودة ورطوبة، والبرودة بطء والرطوبة غلظ؛ والصفراء سرعة ودقة معا؛ لأنها تقابل النار، والنار مزيج من حرارة ويبوسة، والحرارة سرعة واليبوسة دقة أجزاء. وأما السوداء فبطء ودقة معا؛ لأنها تقابل الأرض، والأرض برودة ويبوسة، والبرودة بطء واليبوسة دقة أجزاء؛ ولهذه الخصائص شأن كبير في علم الطب عند ابن حيان.
6
وليست العناصر الأربعة سواء لا بالنسبة إلى وضعها من الكون ولا بالنسبة لمنزلتها من الفاعلية؛ فلقد أسلفنا القول إنها في وضعها درجات متدرجة: النار في أعلى ويتلوها الهواء فالماء والأرض، ونضيف هنا أن الحرارة والبرودة فاعلان، وأما اليبوسة والرطوبة فمنفعلان، بمعنى أن الحرارة تصب فعلها على اليبوسة فتنتج النار، والبرودة تصب فعلها على الرطوبة فينتج الماء؛ وكذلك تصب الحرارة فعلها على الرطوبة فينتج الهواء، وتصب البرودة فعلها على اليبوسة فتنتج الأرض
7
ونوضح هذا بالجدول الآتي:
الحرارة فاعلة واليبوسة منفعلة = النار.
صفحة غير معروفة