لا أحجزك. لا. (تودعه بنظرة وتمضي إلى طرف المهاد) . (فدا يتجه إلى الجبل. القوال وفلاحان يسرعان إليه.)
القوال (في صوت متهدج) :
قبل أن تصعد، خبرنا - فقد تطول رحلتك - خبرنا، أنت الذي يجسر على مطاولة الأبدي: هل وجه الأرض باطل؟
فدا (تلمع عيناه) :
باطل؟ (ينفي بإيماءة ثم يتماسك)
قد يكون ... من جراء الدم السمح تبذلونه في غفلة ... آلام البشر تغذو غرور الطين. (مهلة)
الأرض، كمثل السماء، جدير بها أن تكتسب، لكنها لا تمنح كنوزها حرة إلا إذا استعرت بجمرات الأنفس الزكية، فيعتز عليها كل هين، وفيها يتأصل كل عارض، حتى تفاهة الرمال تتبخر في تماويج سراب، سراب يرقرقه خاطر متشوف ... إنما العدم نحن البشر إذا لم نمد حبالنا إلى قبة الخيال. (فدا يصعد. الأعمى والكسيح يتأملانه. القوال ينصرف إلى باب الكوخ. الفلاحان ينقلبان إلى حقل السنابل. اللفيف يتهامسون ثم ينفضون. هادي يجلس ناحية ويتفكر.)
زينة (لنفسها، وفدا صاعد) :
خذ سبيلك إلى بروج الظنون، قبلت الرهان لما حلفت أن تتجسس قبلة البعيد، فاستبسل. نعم أزين لك المخاطرة ... لا يحق لأحد أن يقمع المستميت في تفجير النبع، لا سيما إذا تلوح صدره فاقتات من رشاشات قروح ... ها أنت ذا عبأت الشقاء في عروقك لتسبي النعماء، وسرعان ما تحول وجودك إلى الخفا. (يغيب فدا عن الأنظار)
بعدت، لست الآن سوى صدى شرود. أي فكر يستطيع أن يرصدك؟ هل أنت حي، هل أت ميت؟ (في بطء)
صفحة غير معروفة