أجاب الأب على الفور: «ما يقرب من شهرين.»
قال الفارس: «أقسم بالرب الحق أن كل شيء في صومعتك معجز أيها الكاهن المقدس! إذ أكاد أقسم أن الظبي السمين الذي حشيت هذه الفطيرة من لحمه كان يعدو على أقدامه هذا الأسبوع. لقد كنت في فلسطين يا سيدي الكاهن ...» ثم توقف قليلا فجأة، وعاد يقول: «وأذكر أنه كان من عادة أهل تلك البلاد أنه يتعين على كل مضيف يستقبل ضيفا أن يثبت له سلامة طعامه بأن يشاركه إياه. وسأكون ممنونا لك بشدة إن امتثلت لهذه العادة الشرقية.»
أجاب الناسك: «كي أريحك من شكوكك غير الضرورية، يا سيدي الفارس، سأحيد هذه المرة فقط عن قواعدي.» ونظرا لأنه لم تكن ثمة شوكات في تلك الأيام، أنشب أصابعه على الفور في أحشاء الفطيرة.
قال الفارس عندما أشبع جوعه: «أيها الكاهن المقدس، أراهن بجوادي الأصيل هذا مقابل قطعة ذهبية على أن الحارس الأمين الذي ندين له بلحم الغزال هذا، قد ترك لك كأسا من النبيذ أو بعضا من الشراب مع هذه الفطيرة الفاخرة. بلا شك هذا حدث لا يرقى تماما إلى أن يعلق بذاكرة ناسك في مثل زهدك، ولكن أعتقد أنك إن بحثت في هذا السرداب الذي هناك مرة أخرى فستجد أنني محق في حدسي.»
اكتفى الناسك بالرد عليه بابتسامة عريضة، وعاد إلى الكوة وأحضر قربة من الجلد ربما كانت تحتوي على ما يعادل جالونا من الشراب، كما أحضر قدحي شراب كبيرين مصنوعين من قرني حيوان. وبعد أن أحضر هذه المؤن الجيدة لهضم العشاء، بدا أنه لم يعد يرى ضرورة لأن يبدي من جانبه مزيدا من الحفاوة، لكنه ملأ القدحين وقال على الطريقة الساكسونية: «نخب صحتك يا سيدي الفارس الكسول!» وأفرغ قدحه دفعة واحدة.
أجاب المحارب، بتحية مماثلة بقدحه الممتلئ مثل قدح مضيفه بالقدر ذاته من الشراب، قائلا: «نخب صحتك يا كاهن كوبمانهيرست المقدس!»
قال الغريب بعد احتساء الكأس الأولى: «أيها الكاهن المقدس، لا يسعني إلا أن أتعجب من أن رجلا لديه تلك العضلات والقوة، ولديه شهية جيدة مثل شهيتك، ويفكر في أن يقيم وحيدا في هذه البرية. أقل ما في الأمر، لو كنت مكانك، لوجدت لنفسي رياضة ورخاء في صيد ظباء الملك؛ فثمة العديد من القطعان في هذه الغابات، ولن يفتقد أحد أبدا ظبيا يذهب إلى خادم كنيسة القديس دونستان.»
رد الكاهن: «يا سيدي الفارس الكسول، هذه كلمات خطيرة، وأرجوك أن تمسك عنها. أنا ناسك مخلص للملك وللقانون، ولو تعديت على صيد مليكي لسيق بي إلى السجن، وإن لم تنقذني عباءة النساك فسيكون مصيري الشنق.»
قال الفارس: «ولكني لو كنت مكانك لخرجت في ضوء القمر حين يغط الحراجون والحراس في نومهم العميق، ومن وقت لآخر، وأنا أتمتم بصلواتي، أرمي بسهم بين قطعان الظباء الشهباء التي ترعى في فرجة الغابة. أيها الكاهن المقدس، ألم تمارس قط هذه التسلية؟»
أجاب الناسك: «يا صديقي الكسول، لقد رأيت كل ما يعنيك في تدبير شئون منزلي. املأ كأسك ومرحبا بك، وأرجوك ألا تحملني، بمزيد من الاستفسارات الوقحة، على أن أريك أنك ما كنت ستستطيع أن تدخل منزلي لو كنت جادا في مقاومتك.»
صفحة غير معروفة