أجاب السيد براين دي بوا جيلبرت: «ليس لدي شيء مهم أخبرك به يا سيدتي، باستثناء الأنباء المؤكدة عن عقد هدنة مع صلاح الدين.»
قطع الحديث هنا دخول حارس البوابة، معلنا أن بالبوابة رجلا غريبا يلتمس الدخول والاستضافة.
قال سيدريك: «اسمح له بالدخول، أيا من كان أو مهما كان؛ فليلة كتلك تعصف في الخارج تجبر حتى الحيوانات الضارية على السير مع القطعان المستأنسة في وداعة.»
عاد أوزوالد وهمس في أذن سيده: «إنه يهودي يدعى إيزاك أوف يورك.»
الفصل الثالث
باستقبال قليل الحفاوة، اقترب رجل عجوز ونحيف من الطرف الأدنى للطاولة، وكان يتقدم بخوف وتردد، وينحني انحناء يدل على تواضع شديد. كانت ملامحه حادة وعادية، وكان أنفه معقوفا، وعيناه سوداوين ثاقبتين، وجبينه مرتفعا وبه تجاعيد، وكان ذا شعر ولحية رماديين طويلين. وكاد يعد وسيما لولا سيماء وجهه المميزة لعرق معين كان يكرهه العامة ويضطهده النبلاء في تلك العصور المظلمة. كان يرتدي قبعة صفراء مرتفعة ومربعة ذات طراز غريب، وانتزعها بتواضع شديد عند باب القاعة.
أومأ سيدريك برأسه ببرود ردا على تحيات اليهودي المتكررة، وأشار إليه ليتخذ موضعا في الطرف الأدنى من الطاولة، ومع ذلك لم يفسح له أحد مكانا هناك. وبينما كان إيزاك واقفا على إثر ذلك منبوذا بين الحضور، كما كان قومه بين الأمم، يبحث عبثا عن ترحاب أو مكان ليجلس فيه، تعاطف معه الحاج الذي كان جالسا بجوار المدخنة؛ واستغنى له عن مقعدة قائلا باقتضاب: «أيها العجوز، إن ثوبي قد جف، وجوعي قد سكن، أما أنت فمبتل وجائع.» قال ذلك ثم جمع الجمرات الخابية المتبعثرة على الموقد الفسيح ورماها في اللهب، وأخذ من الطاولة الأطول وعاء من الحساء ولحم جدي مسلوقا، ووضعه على الطاولة الصغيرة التي كان قد تناول عشاءه عليها، ومضى إلى الجانب الآخر من القاعة دون انتظار شكر من اليهودي.
انحنى اليهودي بجسده الضامر، ومد يديه المرتجفتين والمرتعشتين من البرد أمام النار، وعندما تخلص من شعوره بالبرد رجع بهمة إلى الوعاء الذي ينبعث منه البخار، الذي كان قد وضع أمامه، وأكل على عجل وبتلذذ واضح يدلان على أنه مكث طويلا دون طعام.
في تلك الأثناء كان رئيس الدير وسيدريك يتبادلان الحديث حول الصيد، وبدت الليدي روينا منخرطة في محادثة مع إحدى خادماتها.
قال رئيس الدير مستكملا حديثه مع سيدريك: «أتعجب أيها النبيل سيدريك أنه على قدر عظم ولعك بلغتك التي تتسم بالرجولة، فإن الفرنسية النورماندية لا تلقى لديك قبولا، على الأقل فيما يخص شئون الغابات والصيد.»
صفحة غير معروفة