الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية
محقق
عبد القادر الأرناؤوط - طالب عواد
الناشر
دار ابن كثير دمشق
مكان النشر
بيروت
تصانيف
الحديث
ترك ما تخاف ضرره في الآخرة. قال تلميذه العلامة شمس الدين بن قيم الجوزية في كتابه: "مدارك السالكين": هذه العبارة من أحسن ما قيل في الزهد، والورع، وأجمعها. قال الإمام أحمد بن حنبل ﵀: الزهد على ثلاثة أوجه: ترك الحرام، وهو زهد العوام. والثاني: ترك الفضول من الكلام، وهو زهد الخواص. والثالث: ترك ما يشغل عن الله، وهو زهد العارفين. ومتعلق الزهد ستة أشياء، لا يستحق العبد اسم الزهد حتى يزهد فيها، وهي المال، والصور، والرياسة، والناس، والنفس، وكل ما دون الله ﷿، وليس المراد رفضها من الملك، بل المراد رفضها من القلب، فقد كان نبيا الله: سليمان، وداود ﵉ من أزهد أهل زمانهما، ولهما من المال والملك والنساء مالهما. وكان نبينا محمد رسول الله ﷺ من أزهد البشرعلى الإطلاق وله تسع نسوة. وكان علي بن أبي طالب كرم اله وجهه، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وعثمان من الزهاد مع ما لهم من الأموال، وكان الحسن بن علي ﵄ من الزهاد مع أنه كان من أكثر الأمة محبة للنساء، ونكاحًا لهن،وأغناها. وكان عبد الله بن المبارك من الأئمة الزهاد مع مال كثير، وكذلك الليث بن سعد١، وسفيان من أئمة الزهاد، وكان له رأس مال يقول: لولا هو لتمندل بنا هؤلاء.
قال الحافظ زين الدين بن رجب: واعلم: أن الذم الوارد في الكتاب والسنة للدنيا ليس هو راجعًا إلى زمانها الذي هو: الليل، والنهار المتعاقبان إلى يوم القيامة، فإن الله تعالى جعلها خلفةً لمن أراد أن يذكر، أو أراد شكورًا. ويروى عن عيسى ﵇: أنه قال: "إن هذا الليل والنهار خزانتان، فانظروا ما تضعون فيهما" وكان يقول ﵊: اعملوا، الليل لما خلق له، والنهار لما خلق له. وقال مجاهد٢: ما من يوم إلا يقول: ابن آدم! قد دخلت عليك اليوم، ولن أرجع إليك بعد اليوم، فانظر ماذا تعمل في، فإذا انقضى طوى، ثم يختم عليه، فلا يفض حتى يكون
١ الليث بن سعد بن عبد الرحمن: الإمام الحافظ شيخ الإسلام. وعالم الديار المصرية. أبو الحارث الفهمي. مولى خالد بن ثابت بن ظاعن، سمع عطاء ابن أبي رباح. وابن أبي مليكة. توفي ﵀ "١٧٥"هـ.
٢ مجاهد بن جبر: الإمام شيخ القراء، والمفسرين. أبو الحجاج المكي الأسود مولى السائب بن أبي السائب المخزومي روي عن ابن عباس فأكثر وأطاب. وعنه أخذ القرآن، والتفسير، والفقه. وعن أبي هريرة. وعائشة. وسعد بن أبي وقاص. توفي ﵀ وهو ساجد سنة "١٠٢"هـ.
1 / 166