إتحاف الحثيث بإعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث
الناشر
دار ابن رجب
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٨ هـ - ١٩٩٨ م
تصانيف
وفي حديث جابر بن عتيك (١):
(٨٨ - ١) " نَهَانَا رَسُولُ اللَّه ﷺ عن الشُّرْب في الأوْعِيَةِ الَّتِي سَمِعْتُمْ: الدُّبَّاءُ، وَالْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرُ، وَالْمُزَفَّتُ" (٢):
يجوز الجر على البدل من "أوعية" والرفع على تقدير "هي".
(٨٩ - ٢) وفي حديثه: قال: "سَأَلَني ابْنُ عُمَرَ: مَا الدَّعَوَاتُ الثَّلَاثُ التَّي دَعَا بِهِنَّ رَسُولُ الله ﷺ؟ ! فَقُلتُ: دَعَا بأَلَّا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرهمْ، وَلَا يُهْلكَهُمْ بِالسِّنِينَ، فَأُعْطِيَهِمَا،، وَدَعَا بِأَلَّا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، فَمَنَعَنِيهَا" (٣).
الظّاهر يقتضي أن يقول: "فمنعها" كما قال: "فأعطيهما" (٤)، ويكون ذلك كله من كلام الراوي، والتقدير في قوله: "قال: فمنعنيها"، فأسند الكلامِ إلى رسول الله ﷺ وأضمر القول؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الرعد: ٢٣، ٢٤]، أي يقولون: "سلام" (٥).
_________
(١) ويقال: جبر بن عتيك، صحابي أنصاري من الأوس. شهد بدرًا والمشاهد كلها، وكانت معه راية بني معاوية عام الفتح. توفي سنة إحدى وستين وهو ابن إحدى وتسعين سنة.
ينظر ترجمته في: "الاستيعاب" (١/ ٢٢٢)، و"أسدّ الغابة" (١/ ٣٠٩)، و"الإصابة" (١/ ٤٣٨).
(٢) إسناده حسن: وهو في "المسند" برقم (٢٣٢٤٢) من حديث عبد الله بن جابر العبدي.
(٣) صحيح: وهو في "المسند" برقم (٢٣٢٣٧).
(٤) في ط: فأعطيها.
(٥) وهذا ما يعرف بأسلوب "الالتفات"، ويسمى "الصّرف" و"الاعتراض".
وقد ذكره أبو عبيدة فقال: "والعرب قد تخاطب فتخبر عن الغائب والمعنى للشاهد، فترجع إلى الشّاهد". وقال المبرد: "والعرب تترك مخاطبة الغائب إلى مخاطبة الشّاهد، ومخاطبة الشّاهد إلى مخاطبة الغائب؛ قال الله - جلَّ وعز -: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢] كانت المخاطبة للأمة ثمّ انصرفت إلى النّبيّ ﷺ إخبارًا عنهم. وقال عنترة:
شطت مزار العاشقين وأصبحت ... عسرًا عليّ طلابك ابنة مخرم
والالتفات أول المحسنات البديعية، كما ذكره ابن المعتز، وعليه خرج قول الشنفرى الأزدي: ولكن أبشري أم عامر. قال الحريري (ت ٥١٦ هـ): فقد اختلف في تفسيره فقيل: إنّه التفت عن خطاب قومه إلى خطاب الضبع، فبشرها بالتحكم فيه إذا قتل ولم يفتر. أم عامر كنية الضبع، والالتفات في المخاطبة نوع من =
1 / 98