ولما اجتمع تحت قيادة أبي سفيان ثلاثة آلاف من المشركين، وساروا من مكة حتى وصلوا إلى المدينة، وخرج النبي
صلى الله عليه وسلم
لقتالهم في ألف، فانخذل عنه المنافقون وبقي معه سبعمائة، ونزل الشعب من أحد، وجعل ظهره إلى أحد، ثم تقارب الجيشان، فانهزم المشركون، فطمعت الرماة في الغنيمة، فرجع المشركون إليهم، وأشاعوا بأن محمدا قتل، وانكشف المسلمون فقتل منهم سبعون، ومن المشركين اثنان وعشرون، وأصيبت رباعية الرسول، وشج وجهه، وجرحت شفته، ثم صعد أبو سفيان الجبل وقال: الحرب سجال، يوم بيوم بدر. ثم قال: موعدكم العام المقبل، فأمر النبي أن يقال له: هو بيننا وبينك. وفي هذه الواقعة جرح علي بن أبي طالب الذي أشهر نفسه في ابتداء القتال بعجيب الفروسية وغريب البسالة وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله على الجميع، وقتل عم النبي حمزة رضوان الله عليه، ولما بلغ الرسول
صلى الله عليه وسلم
تحزب قبائل العرب عليه أمر أصحابه بحفر الخندق حول المدينة المنورة، فلما أراد الأعداء ومعاهدوهم أن يهجموا على المدينة عجزت عزائمهم عن الوصول إليها، وفي ذلك الوقت اتضح انفساخ المعاهدة اليهودية التي كان انضم إليها بنو قريظة، وذلك أن المسلمين ألقوا الشقاق بين رؤساء تلك المعاهدة، ورفع الحصار عن المدينة المنورة بعد مناوشات أظهر فيها علي بن أبي طالب عزائمه وبأسه وانتصاره، فبذل الرسول
صلى الله عليه وسلم
بعد رفع الحصار الجهد في محاربتهم حتى أذلهم واحدة بعد الواحدة، فحارب أولا بني قينقاع فقتل منهم علي - على قول مؤرخي العرب - سبعمائة رجل، ثم غزا قبيلة قريظة ثم قبيلة لحيان ثم قبيلة المصطلق بينما كانت بعوثه ينتقمون من القبائل الأخر المعادية لهم. (2-5) سير الرسول إلى الحديبية وحرب خيبر
وفي سنة 628م أي سنة 7ه خرج الرسول معتمرا في ألف وأربعمائة من المهاجرين والأنصار لا يريد حربا، وساق حتى نزل الحديبية أسفل مكة، فبعثت قريش إليه عمر بن مسعود الثقفي رئيس الطائف يقول: إن قريشا لبست جلود النمور وعاهدوا الله أن لا تدخل عليهم مكة عنوة أبدا، فرأى من احترام الصحابة للرسول ما لم ير مثله لملك من الملوك، فرجع إلى قريش، وقال لهم: «إني أتيت كسرى وقيصر في ملكهما، فوالله ما رأيت ملكا في قومه مثل محمد في أصحابه.» ثم بعث الرسول إليهم «عثمان بن عفان » يعلمهم أنه لم يأت للحرب وإنما جاء معتمرا، فذهب وأخبرهم بذلك فمنعوه من الرجوع إلى النبي، وأشيع في الصحابة أن عثمان قتل، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : «لا نبرح حتى نناجز القوم.» ودعا إلى بيعة الرضوان تحت الشجرة، فبايعهم على أن لا يفروا ولا يتخلفوا عنه، وبايع لعثمان بإحدى يديه على الأخرى، وقال هذه بيعة عثمان، فبينما هم كذلك؛ إذ بعثت قريش إلى الرسول سهيل بن عمرو في الصلح فأجاب، وكتبوا بذلك كتابا فيه وضع الحرب على الناس عشر سنين وغير ذلك. ثم نحر الرسول هديه وحلق رأسه، وكذا المسلمون، ورجع المدينة.
وفي سنة 7ه تزوج النبي أم حبيبة وميمونة وصفية بنت يحيى بن أخطب، وقدم مهاجرو الحبشة، وسار الرسول والصحابة إلى قتال يهود خيبر؛ حيث كانوا ساكنين في موضع على بعد قدره خمسة فراسخ من المدينة المنورة، وكانوا يستجلبون لأنفسهم معظم متاجر الحجاز ونجد، وأبدى علي بن أبي طالب في هذه الواقعة من الشهامة ما أزال به جميع العوائق وتحصن أهل خيبر في القلاع الحصينة التي كانت خزائن أموالهم مدخرة فيها، فأعدم بذلك الحرب إلى الأبد شوكة اليهود السياسية، ثم سار النبي إلى وادي القرى وحاصرها وفتحها عنوة، وبعد ذلك جاء كثير من قبائل نجد إلى النبي
صفحة غير معروفة