لما حكم هذا الملك - بعد موت أرتخشيارش الثاني الذي حصل في مدته رجوع العشرة آلاف الشهيرة كما سيأتي - سمى نفسه أرتخشيارش الثالث، واستعمل القوة والفظاظة مع دولة فارس، فأهلك أبناء وبنات الملك؛ لمحو ذكر أسلافه، وأدخل مصر تحت طاعته. ويقال إنه هو الذي شيد قصر الشمع «بمصر القديمة»، وجعل فيه هيكلا، وفي عصره أخذت مقدونيا في الظهور والارتقاء بين الدول، ووجهت أطماعها إلى أخذ آسيا الصغرى من الفرس، وسهل ذلك أن أدخل الأغا «باغواس» السم في طعام الملك دارا أخوس فمات، وترك الملك لابنه «أرسيس»، ولم يكن لهذا الملك شيء من الآثار يذكر به بعد موته، ومات بعد أن حكم سنتين، وتولى بعده دارا الثالث.
ذكر دارا الثالث
وكان هذا الملك معاصرا لملك مقدونيا، وهو الإسكندر الأكبر الذي شتت دولة فارس، وهدم أركانها وهزمه في واقعة «إربل» الشهيرة بزوال مملكة الفرس، وهو آخر ملوك العجم كما سيأتي بيانه إن شاء الله عند التكلم على الإسكندر الأكبر الرومي.
الفصل الرابع
في تاريخ قدماء اليونان
اعلم أن بلاد اليونان أو هيلاس كانت مشتملة على الجزء الجنوبي من تركية أوروبا وبلاد الروم والمورة، وعدة جزائر من البحار المجاورة لها، وقد انقسمت هذه البلاد إلى خمسة أقسام وهي: أولا مقدونيا، وهي الجزء الشمالي من بلاد العارناعود «ألبانيا»، وثانيا تساليا، وهي على شكل مربع في الجنوب الشرقي من بلاد العارناعود أيضا، وثالثا: بيروس، وهي على شكل مستطيل في الجنوب الغربي من بلاد العارناعود، ورابعا: بلاد اليونان الأصلية المسماة الآن بلاد الروم، وخامسا: بيلوبونيزيا المسماة أيضا بشبه جزيرة المورة، وكان يتبعها جزائر بحر الأرخبيل وجزيرة كنديا.
وينقسم تاريخ هذه البلاد إلى قسمين عظيمين؛ الأول تاريخ الأزمنة المجهولة، أي من أول ذكرها إلى مهاجمة الفرس تحت دارا بن هيستاب سنة 490ق.م، وتسمى العصور الخرافية. الثاني تاريخها من مهاجمة الفرس إلى إخضاعها للرومانيين. (1) تاريخ الأزمنة المجهولة
قيل إن اليونان من نسل ياوان بن يافث بن نوح عليه السلام، وكانوا قديما متوحشين يسكنون المغارات، ويلبسون الجلود ويأكلون جذور النباتات والبذور، وقيل لم يك يعرفون فائدة النار، وكانوا أولا يعمرون مساكنهم متفرقة عن بعضها، ثم وبالتدريج اجتمعت المساكن حتى صارت قرى صغيرة، وهذا هو السبب في انقسام بلادهم إلى ممالك صغيرة، واستمروا على هذه الحالة حتى أتى إليهم قوم من فنيقيا يدعون أمة التيتانيين، وأدخلوا فيها قليلا من التمدن، وأخيرا انقطع هؤلاء الأقوام بسبب الحروب فعاد اليونانيون إلى حالتهم الأولى، وبقوا على ما هم عليه مدة 200 سنة، ثم دخل عندهم «سكروبس» المصري، وجمعهم وجعل سكان قسم آتيكا اثنتي عشرة قرية، وأسس مدينة «أتينا» وعلمهم زراعة الزيتون، وملك بعده رجل يدعى أمفكتيون، وفي عصره أي سنة 1455ق.م أدخل قدموس الصوري حروف الهجاء وفن الكتابة، وكان اليونان أولا يكتبون سطرا من اليسار إلى اليمين، ثم سطرا من اليمين إلى اليسار، وهلم جرا. (1-1) حرب تروادة 1194-1184ق.م
تروادة كانت مملكة عظيمة في الشمال الغربي من قسم آسيا الصغرى، وملكها في ذلك الوقت كان يدعى «برياموس»، فأحد أولاده المسمى باريس سافر إلى بلاد اليونان، ونزل عند «منيلاوس» ملك «إسبارطة»، فأخذ زوجته «هيلانة» وفر هاربا إلى بلاده ليلا، فلما أصبح الصباح وعلم ملك «إسبارطة» ما حل بامرأته هو وأخوه «أغاممنون»، وكان شجاعا تهابه الناس، وغضب لذلك أمراء اليونانيين، وقالوا إن هذه فعلة ما حصلت لأمة من الأمم، وفضيحة ما وقع مثلها بين العرب والعجم، ولئن رضينا بهذا سقطنا من أعين الناس، فصمموا على حرب تلك المدينة ونهب أهلها انتقاما لهذه الحادثة، فتجهزوا للحرب، وصحبوا معهم ألف مركب حربية لابسين جلود النمور يقودهم «أخللاوس» كالليث الكاسر ومعه جملة من الشجعان، وكان أكبرهم سنا «نيتوس» من بيلوس (مدينة بالجنوب الغربي من المورة)، وأضعفهم من أخذت المدينة بحيلته وهو «أوديسايس» أو «عوليس» من إيتسكا (مدينة بجزيرة يابونيا بالأرخبيل)، ولم يكن أعداؤهم أيضا ضعفاء، بل كان منهم برياموس أبو الأمير باريس السابق الذكر، وكان شجاعا تنقاد لشجاعته الأبطال، وكانت مدينة «تروادة» ذات أسوار متينة، وقام لمعاونته أيضا جملة من أمراء آسيا الصغرى، وتقوى أيضا بولده «هيكتور»؛ لأنه كان شجاعا تذل لشجاعته الأبطال، فلما علم أهل تروادة بقدوم اليونان إلى مدينتهم دخلوا المدينة وأغلقوا الأبواب وحصنوا الأسوار، فمكث اليونانيون عشر سنين خارج المدينة، وهم يرمونهم بالنبال، وينتظرون بروزهم للقتال، حتى اشتد بأهل تروادة ما هم فيه من الحصر والكرب، ففتحوا الأبواب وخرجوا مشعلين نار الحرب، وبعد جملة مناوشات حصلت بين الطرفين، وقتل «أخللاوس» «هيكتور»، فقتله «باريس» انتقاما لأخيه «هيكتور»، ثم علم اليونان أنه لا يمكنهم أخذ هذه المدينة؛ لشدة حصونها ومقاومة أهلها، فأخذ «أوديسايس» في إعمال حيله لفتح المدينة وهلاك أهلها، فأمر بإعمال هيكل عظيم من الخشب على صورة حصان ودخل فيه مع جملة من شجعان اليونان، وأمر بوضعه أمام تلك المدينة، وأن يقوض اليونانيون خيامهم ويوهم أهالي المدينة بأنهم كفوا عن حربهم وقتالهم، فحملوا خيامهم ورحلوا حتى وصلوا البحر ونزلوا في السفن، واستمروا سائرين إلى أن وصلوا جزيرة «ثينيدوس»، ولما عاين أهالي تروادة ارتحالهم دخلهم الغرور، وأخذوا هذا الهيكل وأرادوا أن يدخلوه من باب المدينة، فلم يسع الباب لإدخاله، فهدموا سور المدينة وأدخلوه، فلما انتصف الليل فتح «أوديسايس» بطن الحصان وخرج ومن معه من الشجعان، وصاروا يضربون وينهبون ويأسرون، ورجع أيضا باقي اليونانيين وعلا صياحهم في المدينة، ونهبوا ما بها من الأشياء الثمينة وهرب برياموس مع أولاده إلى هيكل، فأدركه بعض اليونانيين فقتلوه هناك هو وأولاده، ولم ينج من أهل المدينة سوى من هرب، وأخذ منيلاوس زوجته الملكة التي هي السبب في خراب مدينة تروادة وأكرمها غاية الإكرام. وأتت طائفة من الترواديين بعد ذلك إلى مصر وأسسوا مدينة تره «من أعمال مصر» ومن ذلك الوقت سقطت تروادة الشهيرة. (1-2) إغارة الدريانيين 1104ق.م
ذكر المؤلف «دوبركس» في كتابه أن قبيلة الدريانيين إحدى قبائل اليونان الأربع الشهيرة، «وهم الآشيون والآيوليون والآيونيون والدريانيون»، إلا أنهم لبثوا في التوحش مدة طويلة عن باقي القبائل اليونانية، وكانوا يسكنون بالقرب من جبال ويتا - جبل بين بلاد هيلانة أو بلاد اليونان الأصلية وبلاد تساليا - في مملكة كانت تسمى دوريد، وفي سنة 80 بعد حرب تروادة تجاوز الدريانيون البوغاز الفاصل لبلاد اليونان الأصلية، وشبه جزيرة المورة «بيلوبونيز»، وأغاروا على هذه المملكة الأخيرة، وفتحوا أرغوليد وليكاونيا، واستولوا أيضا على قورنتة. فهاجر الآيونيون من شبه جزيرة المورة إلى قسم آتيكا، وصارت هذه المملكة الأخيرة ملجأ لجميع المهاجرين، ثم أراد الدريانيون طرد هؤلاء الأقوام من قسم آتيكا، فتجاوزا برزخ قورنتة، وتقدموا إلى مدينة أتينا، فأخبر وحي دلفوس الدريانيين أنه إذا مات ملك الأتينيين ظفروا بكم، وإذا مات ملككم ظفرتم بهم، فلما سمعوا قول ذلك الوحي احترسوا كل الاحتراس عن قتل ملك أتينا، وكان ملكها يدعى «قودروس»، فدخل متخفيا في معسكر الدريانيين، فقتله أحد هؤلاء القوم، فلما عرف الدريانيون جثة ملك الأتينيين رجعوا إلى بلادهم خائبين، وتسمى هذه الإغارة أيضا برجوع الهركلديين، وقد نشأ من هذه الإغارة جملة مهاجرات أسست نزلا يونانية على شواطئ آسيا الصغرى وأفريقا وسيسيليا وإيطاليا. (1-3) الكلام على ديانة اليونان
صفحة غير معروفة