الأزمان التي أخذ فيها علم التاريخ في الظهور، وهذه المدة تنقسم إلى جملة أقسام منها المدة التشريعية؛ أي الزمن الذي ظهر فيه المتشرعون كلكورغة في إسبارطة وسولون في أتينا ونوما بومبليوس في روما «ثاني ملوكها» وكونفسيوس ببلاد الصين وغيرهم، ومنها مدة فخار اليونان، ومدة اختلال الجمهورية الرومانية. (5) مصر الأصلية
اعلم أن هذا الوطن العزيز والبلد الأمين الذي حكى الفردوس ماء وزرعا صاحب الخيرات الوافرة والفيض العميم كان فيما سلف من الأعصار خاليا من القرى والأمصار، وكان الوجه البحري الذي هو أبهى وأبهج وأزهى وأزهر الأقاليم المصرية وأعمرها الآن تعلوه المياه، وقد امتدت تيارات البحر الأبيض إلى أمد بعيد، وتلاطمت أمواجه بالسهول المرملة التي بها الأهرام الآن، وكانت مصبات النيل تنتهي إلى قرب منفيس والدلتا مغطاة بعضها بماء النيل والبعض الآخر بمياه الملح وبها بعض جزائر ينبت فيها البردي، والغاب وعلى يمينها وشمالها كان يغير النيل بلا انقطاع مجراه الأصلي، وأما أراضي الشاطئ فكانت جدبة رملية ليس بها ماء ولا زرع ولا نبت ولا ضرع، وما زال حتى عرف الناس حفر الترع وصنع الجسور وتنظيم النيل وحمل مياه الري إلى أراضي الوادي البعيدة، فجاءت مصر بصنع أهلها مملكة مستعدة وأرضا جافة تزرع بعد أن كانت بحورا حرية بالإقلاع، وأوجد النيل أراضي مصر وأخرج لها منظرا عاما يفيض عليه مياهه كل عام، وصار النيل على توالي الأعصار يحمل من أقصى الأقطار وجبال الحبش وبحيرات خط الاستواء رمالا ومواد طينية وجيرية، حتى ارتفعت الأرض وردمت الخليج الذي كان أوجده البحر بالوجه البحري ونشأ من ذلك سهل عظيم به مستنقعات يتخلله برك، ومن بينها يأخذ النيل مجراه على الدوام. ثم تكونت أراضي الدلتا على شكل مثلث رأسه تقرب من منفيس وضلعه الثالث المتعرج المتباعد نحو الستين فرسخا من الرأس، ينتهي بشمال أطلال أتريب «بنها العسل الآن»، ثم بعد ذلك أخذ النيل في ردم الأراضي بطميه، حتى تراكمت في شمال الدلتا، فاندفعت بجملتها في الانحدارات، وما زالت تتسع الأرض كما في أيامنا هذه بما يجلبه النيل شيئا فشيئا من أقاصي أفريقا وأما مدة تكون الأراضي بمصر فمجهولة الحال؛ حيث قال الأقدمون إنها أزمان طويلة جدا، وأما العلماء الحاليون فقالوا إنها تبلغ ثلاث آلاف أو أربعة آلاف سنة.
الفصل الأول
في تاريخ مصر
اعلم أن تاريخ مصر هو تاريخ أهل الفلسفة والبراعة والقوانين والسياسة، فإن مصر حفظت لرتبتها العلية مدة سبعين قرنا، ولما دخلت تحت حكم الدولة اليونانية والرومانية لم يزل فضلها باقيا؛ إذ فاقت من عداها بقوة العلم.
وينقسم تاريخ مصر إلى قسمين عظيمين؛ الأول قبل الإسلام، والثاني بعده. أما قبل الإسلام، فينقسم إلى فرعين؛ أحدهما: الزمن الذي فيه أهل مصر كانت عاكفة على عبادة الأصنام. والثاني: إشهار دين المسيح عيسى عليه السلام. وأما بعد الإسلام فهو معتبر من ابتداء فتح مصر بالإسلام سنة 20 من الهجرة في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب إلى عصرنا هذا. (1) تاريخ مصر قبل الإسلام
اتفق المؤرخون على أن أول ملوك مصر بعد الطوفان كان يدعى «منيس أو منا» وقد قسم «مانيتون» المؤرخ المصري تاريخ مصر القديم إلى ثلاث طبقات وإلى إحدى وثلاثين عائلة، وهم المعروفون عند مؤرخي الإسلام بدول الفراعنة:
الطبقة الأولى:
وأولها العائلة الأولى، وغايتها العائلة الحادية عشرة.
الطبقة الثانية:
صفحة غير معروفة