اشتمل «برنامج العمل البيئي السادس»، الذي أقره المجلس والبرلمان عام 2002، على إطار عشري لتشجيع التنمية المستدامة في مجالات تغير المناخ، والطبيعة، والتنوع الحيوي، والبيئة، والصحة، والموارد الطبيعية، والنفايات. وفي وقت لاحق من ذلك العام، لعب الاتحاد دورا قياديا في «القمة العالمية للتنمية المستدامة» في جنوب أفريقيا. وهكذا صارت استراتيجية التنمية المستدامة، وأبرز عناصرها تغير المناخ، من الأولويات، وقد نص على هذا صراحة في معاهدة لشبونة.
كان لإجراء الاتحاد فيما يخص تغير المناخ أثر قوي، على الصعيدين الداخلي والعالمي، حيث وقع الاتحاد الأوروبي بروتوكول كيوتو عام 1998، الذي استهدف خفض انبعاثات غازات الدفيئة بحلول عام 2012 إلى أقل من مستويات عام 1990 بنسبة 8 في المائة. وبعدئذ خصص المجلس، في عملية مشحونة نوعا ما، حصصا للدول الأعضاء لانبعاثاتها بناء على اقتراح من المفوضية بعد التشاور مع كل دولة في حدود إجمالي يقدر بأنه يبقي انبعاثات الاتحاد ضمن هدف الخفض. ويجري رصد الانبعاثات بدقة، وهناك جزاءات تفرض على عدم الامتثال. وفي 2005 طبق الاتحاد - من أجل توفير المرونة في السيطرة على الانبعاثات - «نظام تداول الانبعاثات» الذي يوزع الحقوق بين أكثر من 5 آلاف من كبرى المنشآت الصناعية الملوثة بالاتحاد؛ مما يسمح للمنشآت التي تطلق انبعاثات أقل من حصصها ببيع حقوقها غير المستعملة إلى المنشآت التي تطلق انبعاثات أكثر، منشئا بذلك «سوق كربون» تقرر تكلفة الكربون داخل الاتحاد. ونظرا لأنه كان من الواضح أن الحقوق وزعت بسخاء أكثر مما ينبغي في البداية، فسيقوم الآن نظام تداول الانبعاثات ببيع الاعتمادات في مزادات، مما يساعد على رفع سعر الكربون بدرجة كافية للإثناء عن الاستخدام المفرط. ولهذا أهمية خاصة؛ نظرا لأن المجلس الأوروبي قرر في 2006، متبعا أفضل النصائح العلمية، ضرورة أن يحقق الاتحاد تخفيضا بنسبة 60 في المائة بحلول عام 2050، اتساقا مع الهدف العالمي المعتبر ضروريا لتجنب تغير ربما يكون كارثيا. وبما أن الاتحاد - كما نتبين من الفصل العاشر - يقود العالم في هذا المضمار، فلا بد أن يحافظ على مصداقيته.
الفصل السابع
منطقة حرية وأمن وعدالة
قال إرنست بيفن، وزير الخارجية البريطانية العظيم، في أول حكومة عمالية بعد الحرب العالمية الثانية، إن هدف سياسته الخارجية «كان في الحقيقة ... التعامل مع مشكلة جوازات السفر والتأشيرات بأكملها»، بحيث يمكنه «التوجه إلى محطة فيكتوريا» التي كانت تغادر منها القطارات متوجهة إلى أوروبا، و«الحصول على تذكرة قطار والذهاب إلى حيثما شئت دون جواز سفر أو أي شيء آخر.» لقد احتفظ النقابي العمالي القديم برؤيته لأخوة بني الإنسان، لكنه حين شغل منصب وزير الخارجية وجد نفسه يدافع عن سيادة دولته. وقد رفض فكرة عضوية بريطانيا في الجماعة الوليدة التي قدر لها في نهاية المطاف أن تجعل تحقيق حلمه ممكنا.
اشتملت معاهدة روما بالفعل عام 1958 «الأشخاص» بجانب السلع والخدمات ورأس المال في الحريات الأربع الخاصة بالحركة والتنقل عبر الحدود بين الدول الأعضاء، مع قصر هذه الحرية بالنسبة «للأشخاص» على عبور الحدود لأغراض العمل. وبعد ذلك بربع قرن، عرف القانون الأوروبي الموحد السوق الداخلية بوصفها «منطقة دون حدود داخلية»، فاعتبرت حكومة السيدة تاتشر أن هذه الكلمات لا تعني أي تغيير؛ لأنها قيدت بإضافة عبارة «وفقا للمعاهدة»، التي كانت لا تزال سارية المفعول في النواحي ذات العلاقة. لكن حكومات الدول الأكثر تأييدا للفيدرالية أرادت التصرف على أساس المعنى الحرفي للكلمات؛ أي إلغاء إجراءات مراقبة حدودها المشتركة؛ ومن ثم منح الجميع حرية الحركة والتنقل عبرها.
أعطيت هذه الفكرة تعبيرا قانونيا في اتفاقيتي شنجن لسنة 1985 وسنة 1990. وشنجن هذه بلدة صغيرة في لوكسمبورج تحتل موقعا رمزيا على الحدود مع كل من فرنسا وألمانيا، وقعت فيها هذه الدول الثلاث، إضافة إلى بلجيكا وهولندا، هاتين الاتفاقيتين. وازداد عدد الموقعين منذ ذلك الحين حتى انضمت دول الاتحاد الأوروبي كافة، عدا بريطانيا وأيرلندا، وكذلك أعضاء الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة، إلى أن صار يطلق عليها كثيرا «دول شنجن».
كان لشنجن هدفان: عني أولهما بإجراءات مراقبة الحدود؛ أي إلغاء هذه الإجراءات داخل دول شنجن، وتأسيس إجراءات مراقبة حدودها الخارجية، ووضع قواعد للتعامل مع اللجوء والهجرة وتنقل مواطني البلدان الأخرى داخل المنطقة أو إقامتهم فيها. وعني الثاني بالتعاون في مكافحة الجريمة.
يزداد النشاط الإجرامي عبر الحدود لأسباب مماثلة للتي تدفع عجلة النشاط الاقتصادي عبر الحدود؛ وهي التقدم التكنولوجي، وبالأخص في مجالي النقل والاتصالات. وكما هو الحال مع التجارة، هناك حاجة إلى التعاون عبر الحدود إذا أريد لسيادة القانون أن تواكب هذا النشاط. وفي ظل العلاقة الوثيقة التي تمخض عنها التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، نجد هذه الدول بحاجة خاصة إلى مثل هذا التعاون. وقد اتخذت خطوة أولى عام 1974 بإبرام اتفاقية «تريفي» لتبادل المعلومات حول الإرهاب، وسرعان ما تبين الوزراء والمسئولون المعنيون جدوى اشتمال أشكال الجريمة الأخرى. كانت هذه بادرة شنجن التي أوجدت تعاونا أوثق بين أجهزة إنفاذ القانون بالدول التي كانت جاهزة للمضي أبعد من ذلك معا، والتي أفضت إلى «مجموعة صكوك شنجن» القانونية التي تسري على أغلبية كبيرة جدا من الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي. (1) ركيزة ماستريخت الثالثة
تؤثر الجوانب العابرة للحدود المرتبطة بالجريمة وبتنقل البشر على الدول الأعضاء كافة لا دول شنجن فحسب، وقد اتفق على أن تنص معاهدة ماستريخت على التعاون في هذه المجالات، فنص في المعاهدة على الإرهاب والمخدرات والاحتيال و«أشكال الجريمة الخطيرة الأخرى»، بجانب إجراءات مراقبة الحدود الخارجية واللجوء والهجرة والتنقل عبر الحدود الداخلية من قبل مواطني الدول غير الأعضاء في الاتحاد. وكان على السلطات القضائية والإدارية والشرطية والجمركية بالدول الأعضاء أن تتعاون من أجل التعامل معها .
صفحة غير معروفة