فَجمع مُخْتَصره الْمَشْهُور وأملاه شَيْئا بعد شَيْء لما ولي تدريس دَار الحَدِيث الأشرفية فهذب فنونه ونقح أَنْوَاعه ولخصها واعتنى بمؤلفات الْخَطِيب فَجمع متفرقاتها وشتات مقاصدها فَصَارَ على كِتَابه الْمعول وَإِلَيْهِ يرجع كل مُخْتَصر ومطول الْخَبَر بِمَعْنى الحَدِيث وَقيل أَعم مِنْهُ إِن تعدّدت طرقه بِلَا حصر بِأَن أحالت الْعَادة تواطأهم على الْكَذِب أَو وُقُوعه مِنْهُم اتِّفَاقًا بِلَا قصد واتصف بذلك فِي كل طبقاته فَهُوَ متواتر أَي يُسمى بذلك وَسَيَأْتِي فِي أصُول الْفِقْه أَنه يُوجب الْعلم اليقيني فَلَا يحْتَاج إِلَى الْبَحْث عَن أَحْوَال رِجَاله قَالَ ابْن الصّلاح ومثاله على التَّفْسِير الْمَذْكُور يعز وجوده إِلَى أَن يدعى ذَلِك فِي حَدِيث من كذب عَليّ مُتَعَمدا فقد رَوَاهُ من الصَّحَابَة نَحْو الْمِائَة وَقيل الْمِائَتَيْنِ وَتعقب عَلَيْهِ الْحَافِظ أَبُو الْفضل الْعِرَاقِيّ بِحَدِيث مسح الْخُف فقد رَوَاهُ سَبْعُونَ من الصَّحَابَة وَحَدِيث رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة فقد رَوَاهُ نَحْو خمسين مِنْهُم وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ أَبُو الْفضل ابْن حجر مَا أدعاه ابْن الصّلاح من الْعِزَّة وَغَيره من الْعَدَم مَمْنُوع لِأَن ذَلِك نَشأ عَن قلَّة الِاطِّلَاع على كَثْرَة الطّرق وأحوال الرِّجَال وصفاتهم الْمُقْتَضِيَة لإبعاد الْعَادة أَن يتواطؤا على الْكَذِب أَو يحصل مِنْهُم اتِّفَاقًا
وَمن أحسن مَا يُقرر بِهِ كَون الْمُتَوَاتر مَوْجُودا وجود كَثْرَة فِي الْأَحَادِيث أَن الْكتب الْمَشْهُورَة المتداولة بأيدي أهل الْعلم شرقا وغربا بالمقطوع عِنْدهم بِصِحَّة نسبتها إِلَى مصنفيها إِذا اجْتمعت على إِخْرَاج حَدِيث وتعددت طرقه تعددا تحيل الْعَادة تواطئهم على الْكَذِب إِفَادَة الْعلم اليقيني بِصِحَّتِهِ إِلَى قَائِله وَمثل ذَلِك فِي الْكتب الْمَشْهُورَة كثير قلت صدق شيخ الاسلام وبر وَمَا قَالَه هُوَ الصَّوَاب الَّذِي لَا يمترى فِيهِ من لَهُ ممارسة بِالْحَدِيثِ واطلاع على طرقه فقد وصف جمَاعَة من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين أَحَادِيث كَثِيرَة بالتواتر مِنْهَا حَدِيث نزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف وَحَدِيث الْحَوْض وانشقاق الْقَمَر وَأَحَادِيث الْهَرج والفتن فِي آخر الزَّمَان وَقد جمعت جزأ فِي حَدِيث رفع الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاء فَوَقع لي من طرق تبلغ الْعشْرين وعزمت على جمع كتاب فِي الْأَحَادِيث المتواترة يسر الله ذَلِك بمنه وَكَرمه آمين وَغَيره وَهُوَ مَا لم تصل طرقه إِلَى الرُّتْبَة الْمَذْكُورَة آحَاد فَإِن كَانَ بِأَكْثَرَ من اثْنَيْنِ كثلاثة فمشهور أَي يُسمى بذلك لوضوحه وَرُبمَا يُطلق على
1 / 47