اعتقاد أهل السنة شرح أصحاب الحديث
الناشر
وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٩هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
[المقدمة]
اعتقاد أهل السنة
شرح
أصحاب الحديث
صفحة غير معروفة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾
أما بعد: فقد انتسب إلى أبي الحسن الأشعري في هذا العصر كثير من المسلمين، وأطلقوا على أنفسهم الأشاعرة نسبة إليه، وادعوا أنهم ملتزمون بما هو عليه في الاعتقاد وخاصة في مسائل الصفات، والحق أنهم لم يأخذوا بالعقيدة التي اعتنقها إمامهم في نهاية حياته كما في كتاب (الإبانة) و(المقالات)، ومن العجيب أنهم زعموا أن الإمام أبا الحسن الأشعري ألف
1 / 3
كتابه (الإبانة) مداراة للحنابلة وتقية، وخوفا منهم على نفسه.
وهذا كلام فيه نظر، بل إنه جد خطير، إذ إن فيه قدحا في الإمام أبي الحسن الأشعري واتهاما له بأنه يبدل عقيدته - في الظاهر - على حسب الأحوال والملابسات، أو مجاراة للتيارات الفكرية السائدة، وهذه مسألة خطيرة، فالغاية لا تبرر الوسيلة عند أهل الحق، وينبغي للإنسان أن يحسن الظن بأمثال الإمام في هذا، بل إنني أجزم ببطلان هذا الزعم في حق الإمام الجليل، إذ إنه لا يمكن أن يداري أو يجاري في عقيدته، وهي مدار السلامة وهي العقد بينه وبين الله تعالى، ولا يفعل هذا إلا الموغلون في البدعة، والذين ليسوا على رسوخ في عقيدتهم وثقة بما هم عليه، كأمثال الباطنية وغيرهم. ثم إن الحنابلة لم تكن لهم سلطة يمكن أن تلحق الأذى بالإمام، بل كان في أيامه كثيرون من المبتدعة المعاندين، ولم ينزل بهم بطش الحنابلة وبأسهم، فهذه دعوى باطلة مردودة.
وقد صرح الإمام في هذين الكتابين بأنه على عقيدة أهل الحديث، والزاعمون لهذا البطلان ممن انتسبوا إلى الإمام وسموا أنفسهم بالأشاعرة إنما هم في الحقيقة قد سلكوا طريقة ابن كلاب البصري، وهو ما كان عليه الأشعري في طوره الثاني من أطوار اعتقاده؛ فقد كان أولا معتزليا ثم تحول إلى مذهب ابن كلاب ثم استقر أخيرا على عقيدة السلف.
1 / 4
وادعى أتباعه أنهم هم أهل السنة والجماعة، ونسبوا من آمن بالنصوص الشرعية في الصفات الإلهية وأجراها على ظاهرها بدون تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل نسبوه إلى التشبيه والتجسيم، وهذا عين المخالفة لإمامهم حيث صرح بإثبات الصفات التي وردت في الكتاب والسنة، وردَّ على المعطلة والمشبهة. ولتوضيح هذه الحقيقة وتجليتها رأيت إبراز ما قرَّره في المقالات من مذهب أهل الحديث وصرح بأنه ملتزم به مع التعليق والإيضاح لما يحتاج لتعليق وذلك لبيان مدى موافقة الأشعري لمنهج السلف ومعتقدهم ومن ثم يظهر مخالفة أتباعه له في الاعتقاد.
وحسب علمي فإن ما قرره الأشعري في مقالاته عن أهل الحديث لم يحظ بشرح مستقل ولم يعتن به، لذا وضعت هذا الشرح المختصر. أما المنهج الذي سأتبعه في هذا الشرح فهو كالآتي:
١ - رأيت أن أفضل من يشرح ما قرره الأشعري عن أصحاب الحديث في أمور الاعتقاد هم أهل الحديث أنفسهم لذا فإني أرجع إلى الكتب المؤلفة في عقيدة أهل السنة والجماعة على طريقة أهل الحديث وهي ما يأتي:
أ- اعتقاد أئمة أهل الحديث للحافظ الإمام أبي بكر الإسماعيلي.
1 / 5
ب- اعتقاد السلف أصحاب الحديث للحافظ الإمام شيخ الإسلام أبي عثمان إسماعيل الصابوني.
ج- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للحافظ الإمام شيخ الإسلام أبي القاسم عبد الله اللالكائي.
د- الحجة في بيان المحجة للإمام الحافظ أبي محمد الفضل التيمي الأصبهاني وغير ذلك من كتب أهل السنة والجماعة.
٢ - فإن لم أجد اجتهدت في شرح كلام المؤلف مستدلا له من الكتاب والسنة، وقد أذكر أقوال أهل العلم، وقد أكتفي بذكر الأدلة فقط لوضوح المسألة وجلائها.
٣ - كما أني لم ألتزم في الجملة بطريقة واحدة في العرض، فقد أبدأ بذكر الأدلة ثم أثني بالنقل عن أهل العلم، وقد أبدأ بالنقل عنهم أولا لتقرير وبسط وشرح ما ذكره الأشعري.
٤ - عزوت الآيات القرآنية إلى مواضعها من كتاب الله تعالى وذلك بذكر السورة ورقم الآية.
٥ - قمت بتخريج الأحاديث الواردة في الكتاب سواء في ثنايا النقول عن الأئمة أو غير ذلك، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت به، وإلا اجتهدت في بيان موضعه من كتب السنة الأخرى مع بيان درجته من حيث
1 / 6
الصحة وذلك نقلا عن أهل العلم المعتبرين.
٦ - قسمت الكتاب إلى فقرات وضعت لكل منها عنوانا وذلك على حسب موضوعها تسهيلا على القارئ.
٧ - قمت بشرح معاني الكلمات الصعبة المحتاجة إلى بيان وذلك في البند الخاص بـ " اللغة ".
٨ - قمت بعمل خلاصة لكل فقرة توجز أهم ما يستفاد منها.
٩ - قمت بعمل مناقشة تشتمل على بعض الأسئلة فيما يتعلق بموضوع الفقرة، وذلك تحفيزا للقارئ على الانتباه، ولكي يصلح الكتاب كذلك للناشئة الذين يستفيدون من هذه الطريقة.
هذا والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وأن يغفر لي الخطأ والزلل، والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
1 / 7
[أصول الاعتقاد عند أهل الحديث]
قال أبو الحسن الأشعري:
هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة (أصول الاعتقاد عند أهل الحديث) * جملة ما عليه أهل الحديث والسنة:
الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله.
اللغة: (جملة) أي مجمل ومجموع - (الإقرار) الاعتراف والتصديق.
الشرح: سُمُّوا أهل الحديث لاتباعهم الحق بدليله من الكتاب والسنة ولتتبعهم أحاديث رسول الله ﷺ للعمل بها وتقديمها على كل قول (١)؛ فهم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية الثابتة على ما كان عليه الرسول ﷺ وأصحابه كيف لا وهم يتقربون إلى الله تعالى باتباع سنة رسول الله ﷺ وطلبهم لآثاره.
قال علي بن المديني في تفسيره لحديث رسول الله صلى الله
_________
(١) مقدمة اعتقاد أئمة أهل الحديث، ص ٤.
1 / 9
عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ولا يضرهم من خالفهم»، قال: (هم أهل الحديث والذين يتعاهدون مذاهب الرسول ويذبون عن العلم) [شرف أصحاب الحديث ص ١٠]، وسئل الإمام أحمد عن معنى هذا الحديث فقال: (إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث فلا أدري من هم) . [معرفة علوم الحديث ص ٢] .
وقال الحاكم: (لقد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر أن الطائفة المنصورة التي يُرفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم أصحاب الحديث، ومن أحق بهذا التأويل من قوم سلكوا محجة الصالحين واتبعوا آثار السلف من الماضين ومنعوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله ﷺ وعلى آله أجمعين) . [معرفة علوم الحديث ص٢] . وقال ابن حبان في قول النبي ﷺ: «فعليكم بسنتي» (١) قال: (إن من واظب على السنن وقال بها ولم يعرج على غيرها من الآراء فهو من الفرق الناجية) . [الإحسان (١ / ١٠٥)] .
_________
(١) أخرجه أبو داود (٥ / ١٣) ح ٤٦٠٧ في السنة، باب في لزوم السنة، والترمذي (٥ / ٤٤) ح ٢٦٧٦ في العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة وغيرهما، من حديث العرباض بن سارية مرفوعا وهو حديث صحيح.
1 / 10
وهذا ردٌّ بالغ على من يزعم أن أهل الحديث ليسوا طائفة معينة، ومنشأ هذا الزعم الفاسد أن لفظ (أهل الحديث) يطلق على اصطلاحين:
الأول: كل من اشتغل بعلم الحديث فهذا يدخل فيه أهل السنة والجماعة وأهل البدع، فعلى هذا الاصطلاح ليس أهل الحديث طائفة معينة.
الثاني: من يعتقد عقيدة أئمة الحديث والسنة فعلى هذا لا يدخل فيهم أهل البدع، فكلام أئمة السنة في الثناء على (أهل الحديث) وأنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ينصبُّ هذا على الاصطلاح الثاني، ويدخل في ذلك كل من كان على عقيدة أئمة السنة ولو لم يكن من علماء أهل الحديث. [انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة (١ / ٢٤)] .
تنبيه:
كلمة: (أهل الظاهر) يستخدمها أهل البدع ويطلقونها على أهل السنة، وهي أيضا تطلق على معنيين:
الأول: عدم تأويل نصوص الوحي سواء كانت في المسائل العلمية العقدية أو المسائل الفقهية العملية وتقديم نصوص الشرع على جميع أقوال الناس كائنا من كان، والذهاب خلف النصوص أينما سارت ركائبها، فكلمة أهل الظاهر على هذا الاصطلاح تساوي كلمة أهل الحديث وأصحاب الحديث
1 / 11
وأهل السنة والجماعة والطائفة المنصورة.
الثاني: هو من يقصر نصوص الشرع عن دلالتها الوضعية والالتزامية والتضمنية كمن يزعم في قول النبي ﷺ: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم» (١) أنه لا يجوز التبول في الماء الدائم ولكن لو بال في الإناء ثم صب ما في الإناء من البول في الماء الدائم جاز.
ووجه بطلان هذا الزعم أنه قصر نص الشارع عن دلالاته المعنوية فإنه إن لم يجز التبول في الماء الدائم فصبُّ ما في الإناء من البول في الماء الدائم أولى ألا يجوز؛ فإن البول في الماء الدائم قد تدعو الحاجة إليه، أما البول في الإناء ثم صبه فيه فلا موجب له بل هو محض العبث في الماء، فهذه الطريقة ليست طريقة أهل الحديث.
فأهل الظاهر على هذا المعنى الثاني: هم على طرفي نقيض مع متعصبة أهل الرأي الذين حرفوا نصوص الشرع وأولوها لكي توافق مذاهبهم، وقدموا أقوال أئمتهم وآراءهم على نصوص الشرع.
وأهل الحديث هم وسط بين إفراط أهل الرأي وتفريط أهل
_________
(١) أخرجه البخاري (١ / ٤١٢) في الوضوء، باب البول في الماء الدائم، من حديث الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا.
1 / 12
الظاهر. وقد أطلق المبتدعة على أصحاب الحديث أنهم (أهل الظاهر) وأنهم (حشوية) و(مشبهة) و(مجسمة) لتنفير الناس عن طريقة أهل الحديث؛ وهم كاذبون في رميهم لهم بالحشوية والمشبهة والمجسمة، وأما رميهم (بأنهم أهل الظاهر) . فإن قصدوا المعنى الأول فهذا لا يضرهم ويقال لأهل البدع: هل أنتم باطنية فترمون أهل الحديث بالظاهرية؟ بل يقال لأهل البدع: أنتم لا شك باطنية في كثير من تأويلاتكم وتحريفاتكم لنصوص الشرع في العقائد والمسائل الفقهية.
فأهل الحديث على هذا أهل ظاهر وليسوا باطنية مثلكم فهذه منقبة لهم لا مثلبة، والحمد لله.
وإن قصدتم المعنى الثاني: لـ (أهل الظاهر) فعامة أهل الحديث براء من هذا، والله أعلم.
الإقرار بالله: شرع المؤلف في بيان أصول الإيمان الستة المذكورة في حديث جبريل وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وسيأتي كلام المؤلف على القدر واليوم الآخر في ثنايا الكتاب، ومعنى الإيمان بالله ﷿: الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومالكه وخالقه، وأنه مستحق لصفات الكمال المنزه عن صفات النقص والعيب، وأنه وحده المستحق لأن يفرد بالعبادة والخضوع والطاعة،
1 / 13
فهو سبحانه متفرد بالربوبية والألوهية وصفات الكمال فلا يكون العبد مؤمنا حتى يوحد الله في الربوبية والألوهية وفي الأسماء والصفات. [انظر تيسير العزيز الحميد (١٧)، وتطهير الاعتقاد ص (٣)] .
الملائكة: وأما الإيمان بالملائكة: فهو أن تصدق بوجودهم وأنهم عباد مكرمون خلقهم الله لعبادته فلا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولا يفترون عن عبادته ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾
والإيمان بأوصافهم وأعمالهم التي يقومون بها كما جاء في الكتاب والسنة.
والإيمان بمن ورد النص بتسميتهم على وجه الخصوص مثل جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، ونقول إن من قال بأنهم إناث فقد كفر لمخالفته كتاب الله، ولا يقال إنهم ذكور إذ لم يرد في ذلك نص صحيح.
الكتب: وأما الإيمان بالكتب: فهو أن تصدق بأنه تعالى أنزل على رسله كتبا ليعلم الناس بها الحق من الباطل والخير من الشر، وهذه الكتب كثيرة يجب الإيمان بها جملة ولكن يجب الإيمان تفصيلا لأربعة منها وهي: التوراة التي أنزلت على موسى،
1 / 14
والزبور الذي أنزل على داود، والإنجيل الذي أنزل على عيسى، والقرآن الذي أنزل على محمد ﷺ، وأن ما في القرآن كلام الله على الحقيقة تكلم به وسمع منه جبرائيل وبلغ جبرائيل رسول الله محمدا ﷺ، فسمع من جبرائيل، وليس كما يزعم أهل البدع أنه ليس كلام الله على الحقيقة بل هو عبارة عن أعلام الله، ويجب الإيمان بأن الله تعالى قد حفظ القرآن من التحريف والتبديل، وأن كل حرف فيه هو كلام الله تعالى.
الرسل: وأما الإيمان بالرسل: فهو أن توقن بأن الله أرسل للناس - ليدعوا الناس إلى عبادة الله وحده - رسلا مبشرين لأهل التوحيد والسنن ومنذرين لأهل الشرك والبدع وأهل المعاصي، لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، كما يجب أن تؤمن بمن سمى الله تعالى في كتابه من رسله وأنبيائه وهم: آدم، ونوح، وإدريس، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وهارون، وداود، وسليمان، وإلياس، واليسع، وهود، وصالح، وشعيب، وذو الكفل، وأيوب، ويونس، ولوط، وزكريا، ويحيى، وعيسى، ومحمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين.
1 / 15
* وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله ﷺ لا يردون من ذلك شيئا، وأن الله سبحانه إله واحد فرد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدا.
الشرح: مأخوذ من قول الله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - اللَّهُ الصَّمَدُ - لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ وهذا تنزيه منفصل ومنه تنزيه الله تعالى عن الشريك والظهير والشفيع بدون إذنه واتخاذ صاحبة والكفؤ والند.
قال تعالى: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾
أما التنزيه المتصل تنزيه الله عن السِّنَة والنوم والموت والعجز والذل والسفه والنسيان والغفلة والحاجة والتعب واللغوب، قال تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾
وأهل السنة (أصحاب الحديث) ينفون ما نفاه الله عن نفسه ونفاه عنه رسول الله ﷺ، ولا يتعرضون لصفات الكمال ونعوت الجلال بنفي ولا تحريف، وعندهم
1 / 16
أن إثبات الصفات الثابتة في الكتاب والسنة ليس من التشبيه في شيء بل التشبيه في نفي الصفات لا في إثباتها.
وخالفهم المتكلمون في مفهوم التنزيه؛ فقد جعلوه معولا لهدم بنيان صفات الله الثابتة في الكتاب والسنة. وأول من أدخل النفي في التنزيه هم الجهمية، فقد نقل عنهم الأشعري في (المقالات) أنهم أجمعوا على: (أن الله واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وليس بجسم ولا شبه ولا جثة ولا صورة ولا شخص، ولا جوهر ولا عرض، ولا بذي لون ولا طعم ولا مجسة، ولا بذي حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة، ولا طول ولا عمق ولا افتراق، ولا يتحرك ولا يسكن، ولا يبعض وليس بذي أبعاض وأجزاء وجوارح وأعضاء، وليس بذي جهات ولا بذي يمين وشمال وأمام وفوق وتحت، ولا يحيط به مكان ولا يجري عليه الزمان، ولا يجوز عليه المماسة ولا الحلول في الأماكن، ولا يوصف بشيء من صفات الخلق) .
فهذا جملة قولهم في التوحيد. وقد شاركهم في هذه الجملة الخوارج وطوائف من المرجئة وطوائف من الشيعة والماتريدية.
وقال ابن أبي العز الحنفي في بيان فساد هذه الطريقة: (والمعطلة يعرضون عما قاله الشارع من الأسماء والصفات
1 / 17
ولا يتدبرون معانيها، ويجعلون ما ابتدعوه من المعاني والألفاظ هو المحكم الذي يجب اعتقاده واعتماده. والمقصود أن غالب عقائدهم السلوب ليس بكذا ليس بكذا، وأما الإثبات فهو قليل وهو أنه عالم قادر، وأكثر النفي المذكور ليس متلقى عن الكتاب والسنة ولا عن الطرق العقلية التي سلكها غيرهم من مثبتة الصفات فإن الله تعالى قال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ ففي هذا الإثبات ما يقرر معنى النفي، ففهم أن المراد انفراده سبحانه بصفات الكمال، فهو ﷾ موصوف بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله ليس كمثله شيء في صفاته ولا في أسمائه ولا في أفعاله) . [انظر الرد على الجهمية للإمام أحمد ص (١٠٥)، ومقالات الإسلاميين، ص (١٥٥)، وشرح العقيدة الطحاوية، ص (٥٤)، ومجموع الفتاوى، (١١ / ٤٨٣، ٤٨٤)] .
وأن محمدا عبده ورسوله: وصف الله ﷾ نبيه محمدا ﷺ بالعبودية وبالرسالة في أشرف المقامات، قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ وقال في مقام التحدي بالتنزيل: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ﴾
1 / 18
[سورة البقرة، الآية: ٢٣] . وقال في مقام الدعوة: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ وقال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾
ونهى ﷺ عن الغلو في إطرائه فقال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله» (١) .
وللأسف فإن كثيرا من المسلمين خالفوا نص رسول الله وغلوا فيه غُلوَّ النصارى في عيسى ﵇، وصرفوا له كثيرا من العبادات، وأفرطوا في حقه من جانب آخر فقدموا على كثير من أقواله ﷺ أقوالَ الرجال الذين غلوا فيهم.
وأصحاب الحديث إذا سمعوا حديثا من أحاديث رسول الله ﷺ الصحيحة فكأنهم سمعوه من فِي الرسول ﷺ فيصدقون به ويعملون به ولا يقدمون عليه قولا ولا رأيا ولا ذوقا ولا كشفا ولا وجدا ولا قياسا ولا عقلا.
_________
(١) أخرجه البخاري (٦ / ٥٥١) ح ٣٥٤٥ في أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: واذكر في الكتاب مريم من حديث عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمر مرفوعا.
1 / 19
* وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.
اللغة: (لا ريب فيها): لا شك فيها، (يبعث من في القبور): يحشرهم ويحييهم ويجمعهم للحساب.
الشرح: هذا الكلام مأخوذ من: [١] حديث عبادة بن الصامت ﵁ حيث قال: قال رسول الله ﷺ: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» أخرجه البخاري ومسلم (١) .
[٢] اقتباسا من الآية الكريمة في سورة الحج [الآية (٧)] ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾
_________
(١) البخاري (٦ / ٥٤٦) ح ٣٤٣٥ في أحاديث الأنبياء، باب قوله: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ومسلم (١ / ٥٧) ح ٢٨ في الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، كلاهما من حديث جنادة بن أبي أمية عن عبادة مرفوعا.
1 / 20
الخلاصة:
يؤمن أهل السنة بالله سبحانه وملائكته وكتبه ورسله وبكل ما رواه الثقات عن الرسول ﷺ، ويقرون بتفرد الله بالوحدانية في كل شيء، وبنبوة محمد ﷺ ويؤمنون بالجنة والنار وبالبعث بعد الموت.
المناقشة:
س١: اذكر أصول الإيمان عند أهل الحديث بإيجاز.
س ٢: فصِّل القول في المقصود بـ: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله.
1 / 21
[الاستواء على العرش]
(الاستواء على العرش) * وأن الله ﷾ على عرشه كما قال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾
اللغة: (الرحمن): فعلان من رحم، وهي دالة على الامتلاء والكثرة، ومقصودها سعة الرحمة العامة.
الشرح: وقد ورد ذكر الاستواء في غير هذا الموضع في ستة مواضع من كتاب الله تعالى، قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾
وقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ وقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾
وقال ﷿: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ﴾
وقال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾
1 / 22