إثبات صفة العلو
محقق
أحمد بن عطية بن علي الغامدي
الناشر
مكتبة العلوم والحكم،المدينة المنورة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٠٩هـ / ١٩٨٨م
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ إِلَى الْحُصَيْنِ أبي عِمْرَانَ، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا، فَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ تُكَلِّمَهُ وَتَعِظَهُ، فَمَشَوْا مَعَهُ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: فَجَلَسُوا وَدَخَلَ حُصَيْنٌ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ ﷺ قَالَ: أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ، فَأَوْسَعُوا لَهُ، وَعِمْرَانُ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ مُتَوَافِرُونَ، فَقَالَ حُصَيْنٌ: مَا هَذَا الَّذِي يَبْلُغُنَا عَنْكَ أَنَّكَ تَشْتِمُ آلِهَتَنَا وَتَذْكُرُهُمْ، وَقَدْ كَانَ أَبُوكَ جَفْنَةً وَخُبْزًا (١) . فَقَالَ: (إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ) (٢)، يَا حُصَيْنُ كَمْ إِلَهًا تَعْبُدُ الْيَوْمَ؟ قَالَ: سَبْعَةً فِي الأَرْضِ وَإِلَهًا فِي السَّمَاءِ. قَالَ: فَإِذَا أَصَابَكَ الضِّيقُ فَمَنْ تَدْعُو؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، قَالَ: فَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ فَمَنْ تَدْعُو؟ قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ. قَالَ: فَيَسْتَجِيبُ لَكَ وَحْدَهُ وَتُشْرِكُهُمْ مَعَهُ؟! قَالَ: أَمَا (رَضِيتَهُ) (٣) أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، أَوَ تَخَافُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَيْكَ؟ قَالَ: لَا وَاحِدَةً مِنْ هَاتَيْنِ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَمْ أُكَلِّمْ مِثْلَهُ. فَقَالَ: يَا حُصَيْنُ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، قَالَ: إِنَّ لِي قَوْمًا (وَعَشِيرَةً) (٤) فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟ قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَهْدِيكَ لأَرْشَدِ أَمْرِي، وَأَسْتَجِيرُكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، عَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَانْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا يَنْفَعُنِي، فَقَالَهَا، فَلَمْ يَقُمْ حَتَّى أَسْلَمَ، فَوَثَبَ عِمْرَانُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: مِمَّا صَنَعَ عِمْرَانُ، دَخَلَ حُصَيْنٌ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى نَاحِيَتِهِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَضَى حَقَّهُ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ رِقَّةٌ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ حُصَيْنٌ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: قُومُوا فَشَيِّعُوهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ سُدَّةِ الْبَابِ (٥)
_________
(١) الجفنة: الرجل الكريم، كانت العرب تدعو السيد المطعام "جفنة" لأنه يضعها -أي يضع الجفنة، وهي القصعة العظيمة- ويطعم الناس فيها، فسمي باسمها. انظر: لسان العرب، مادة "جفن".
(٢) ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى.
(٣) في (م) (رضيت) .
(٤) كلمة (وعشيرة) لا توجد في (م) .
(٥) سدة الباب، بضم السين فناؤه. انظر: لسان العرب، مادة "سدد".
1 / 76