فإنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقف من أحد ، ولا وقف مع أحد موقف المغتاظ الحنق ، بل كان يعفو ويصفح ، ثم لا يتبع ذلك منا ولا أذى ، ولا يفسده بتنغيص أو تكدير ، وأظهره الله بأبي سفيان بعد تمثيله بعمه حمزة عليه السلام ، وبذله الوسع في معاداته ، فلم يلقه إلا بأحسن صفح ، وأكرم عفو ، وتجاوز عنه أحسن التجاوز ، ولما أظهر الاسلام أكرمه بقوله: (( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن )) (¬1) .
ولم يشف غيظه من أحد من أهل مكة ، مع ما كان منهم صلى الله عليه وعلى آله ، وإلى أصحابه من الأسباب القبيحة ، وطلبهم دمه ودماء أصحابه ، وتسفههم عليه وعليهم ، ولم يكافئ أحدا منهم على سوء صنيعه ، وقبيح فعاله . ولم يعاتب أحدا منهم على ما كان منه ، ولم يواقفه (¬2) عليه ، وقال لما قام فيهم خطيبا: (( أقول كما قال أخي يوسف صلى الله عليه: لا تثريب عليكم اليوم ، يغفر الله لكم )) (¬3) .
ثم انضاف إلى ذلك حسن العشرة ، مع القريب والبعيد ، والولي والعدو . وخفض الجناح ، ولين الجانب ، وبعده عن الغلظة والفظاظة ، كما قال الله عز وجل: { ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } [آل عمران: 159] .
صفحة ٣٠٥