173

ومعنى هذه الآية: معنى كلمي (¬1) ، فإذا أردت أن تعرف حال هذا التصرف ، وشريف موقعه ، فتأمل كلام المتكلمين . هل تجد لشيء منها هذا الجنس الرابع ؟لأنه جمع فيها بين حسن المعنى وشرف الوضوح ، وجزالة اللفظ وعذوبته ، مع جمع المقاصد الكثيرة في ألفاظ يسيرة ، بحيث ربط بعضها ببعض ، وحسم عنها مطاعن المعترضين . من ذلك قوله عز وجل بعد هذه الآية: { ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب (6) } [الرعد] ، فتأمل ما جمعت هذه الآية من المعاني ، بأن ذكر جهل القوم باستعجالهم السيئة قبل الحسنة ، ثم بين عز وجل أنه أنزل العذاب بمن كان قبلهم من المنحرفين عن طاعته ، المسرعين إلى معصيته ، زاجرا لهم عما هم فيه ، ومحذرا لهم عواقب من قبلهم .

ثم بين لهم أنه عز وجل يغفر لعباده وإن كانوا ظالمين ، إذا تابوا وأنابوا ، وأنه عز وجل شديد العقاب ، لمن أصر وأقام على ما نهي عنه . فجمع هذه المعاني وكساها حسن اللفظ ، إذ فيه ما يسميه أهل الصنعة: المطابق . لأنه ذكر الحسنة والسيئة ، والمغفرة والعقاب ، مع الجزالة والعذوبة . فهل يكون في التصرف أحسن من هذا ؟!!

ثم تأمل من هذه السورة قوله عز وجل: { الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار (8) . . .

صفحة ٢٢٧