إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٩٨٧م
مكان النشر
بيروت
وَقد جَاءَ الْقُرْآن بذلك بأفصح عبارَة وأوجزها فَقَالَ تَعَالَى ﴿وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة يَا أولي الْأَلْبَاب﴾ وَالْقَصْد أَنه لَا يُنكر فِي الْعُقُول أَن يغذي الْحَيَوَان الشريف بِالْحَيَوَانِ الخسيس فتدفع بالغذاء عَنهُ الْمضرَّة وتكمل بالغذاء لَهُ النِّعْمَة وعَلى تَسْلِيم أَن الْعقل لَا يستحسن ذَلِك فَإِنَّهُ يجوز أَن يحكم بِحسن ذَلِك مَالك الْجَمِيع علام الغيوب الَّذِي لَا معقب لحكمه وَلَا عَالم بغيبه وَلَا يحيطون بِشَيْء من علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ وتوهم مُعَارضَة ذَلِك بالتقبيح الْعقلِيّ فِي غَايَة السُّقُوط فَإِن الْعُقَلَاء يَخْتَلِفُونَ فِيمَا دق من هَذَا الْبَاب وَإِنَّمَا يتفقون على الضَّرُورِيّ مِنْهُ الَّذِي لم يرد الشَّرْع بِهِ قطعا مثل تَرْجِيح الْكَذِب على الصدْق مُطلقًا لَا مُقَيّدا بِحَال الضَّرُورَة فَأَي عَاقل يرجح هَذِه الحماقة على الْبَرَاهِين الْوَاضِحَة فِي النبوات
وَقد جود الجاحظ الْكَلَام فِي النبوات فِي كتاب مُفْرد فِي ذَلِك وَتَبعهُ فِي ذَلِك الامام الْمُؤَيد بِاللَّه ﵇ فهذب كِتَابه وَحسن ترصيعه وَقرب متباعدة فَيَنْبَغِي للْمُسلمِ الْوُقُوف عَلَيْهِ وَحسن التَّأَمُّل لَهُ فَالْأَمْر فِي ذَلِك جلي فطري وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يذكر هُنَا الفروق بَين الْأَنْبِيَاء ﵈ وَسَائِر من يَقع مِنْهُ الخوارق من أهل السحر والطلسمات وَسَائِر أهل الرياضات
وَاعْلَم أَن الْمُتَكَلِّمين يذكرُونَ هُنَا فروقا كَثِيرَة مِنْهَا أَن السحر فن مَعْرُوف لَهُ شُيُوخ يعرفونه ويعلمونه وَفِيه مصنفات وَمن تولع بِهِ وطالع كتبه وتتلمذ لشيوخه عرفه وَإِنَّمَا اخْتلف فِي تعلمه فَقيل حرَام وَقيل فرض كِفَايَة حَتَّى إِذا ظهر سَاحر عرف سحره وَهَذَا بَاطِل لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنه لم يكن فِي الصَّحَابَة بعد رَسُول الله ﷺ من يعرفهُ وَلَو كَانَ فرضا كَانُوا أقوم النَّاس بِهِ وَثَانِيهمَا أَنه قد ثَبت بِالضَّرُورَةِ أَن مُحَمَّدًا ﷺ خَاتم الْأَنْبِيَاء وَهَذَا برهَان يُوضح لنا أَن كل مُدع للنبوة بعده كَاذِب
1 / 66