قبض النبي محمدٌ فعيوننا ... تذري الدموع عليه بالتسجام
قال أبو ذؤيب: فوثبت من نومي فزعًا فنظرت في السماء، فلم أر إلا سعد الذابح، فتفاءلت به ذبحٌ يقع في العرب، وعلمت أن النبي ﷺ قد قبض وهو ميتٌ من علته، فركبت ناقتي وسرت، فلما أصبحت طلبت شيئًا أزجر به، فعن لي شيهمٌ –يعني: القنفذ- قد قبض على صل –يعني: الحية- فهي تلتوي عليه، والشيهم يقضمها حتى أكلها، فزجرت ذلك وقلت: شيهمٌ شيء مهمٌ، والتواء الصل: التواء الناس عن الحق القائم بعد رسول الله ﷺ، ثم أكل الشيهم إياها: غلبة القائم بعده على الأمر، فحثثت ناقتي حتى إذا كنت بالغابة زجرت الطائر، فأخبرني بوفاته، ونعب غرابٌ سانح، فنطق مثل ذلك، فتعوذت بالله من شر ما عن لي في طريقي، وقدمت المدينة ولها ضجيجٌ بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلوا بالإحرام، فقلت: مه؟ فقالوا: قبض رسول الله ﷺ، فجئت المسجد فوجدته خاليًا، فأتيت رسول الله ﷺ فوجدت بابه مرتجًا، وقيل: هو مسجى قد خلا به أهله، فقلت: أين الناس؟ فقيل: في سقيفة بني ساعدة صاروا إلى الأنصار.
فجئت إلى السقيفة فأصبت أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح وسالمًا ﵃ وجماعة من قريش، ورأيت الأنصار وفيهم سعد بن عبادة، وفيهم شعراؤهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وملأٌ منهم. فآويت إلى قريش، فتكلمت الأنصار فأطالوا الخطاب، وأكثروا الصواب، فتكلم أبو بكر ﵁، فلله دره من رجلٍ لا يطيل الكلام، ويعلم مواقع فصل الخطاب، والله لقد تكلم بكلام، لا يسمعه أحدٌ إلا انقاد له ومال إليه، ثم تكلم عمر ﵁ بعده دون كلامه، ومد يده فبايعه وبايعوه، ورجع أبو بكر ﵁ ورجعت معه.
قال أبو ذؤيب: فشهدت الصلاة على [سيدنا] محمد رسول الله ﷺ وشهدت دفنه، ثم أنشد أبو ذؤيب يبكي رسول الله ﷺ:
لما رأيت الناس في عسلانهم ... ما بين ملحود وبين مضرح