252

اتحاف الورى في أخبار أم القرى

تصانيف

بين ظهرانينا قد عضل بنا، وفرق جماعتنا، وإنما قوله كالسحر، يفرق بين الرجل وبين ابنه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمه، ولا تسمع منه. فو الله ما زالوا بى حتى أجمعت على ألا أسمع منه شيئا، ولا أكلمه؛ حتى حشوت أذنى حين غدوت إلى المسجد كرسفا (1)- فرقا أن يبلغ منى قوله وأنا لا أريد أن أسمعه- فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قائم يصلى عند الكعبة، فقمت قريبا منه، فأبى الله إلا أن يسمعنى بعض قوله؛ فسمعت كلاما حسنا، فقلت فى نفسى: وا ثكل أمى، والله إنى لرجل لبيب [شاعر] (2)/ ما يخفى على الحسن من القبيح، فما يمنعنى من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذى يأتينى به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته، فمكثت حتى انصرف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت:

يا محمد، إن قومك قالوا لى كذا وكذا، فو الله ما برحوا يخوفوننى حتى سددت أذنى بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولا حسنا؛ فاعرض على أمرك. فعرض على الإسلام ، وتلا القرآن، فو الله ما سمعت قولا قط أحسن، ولا أمرا أعدل منه.

فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبى الله إنى امرؤ

صفحة ٢٥٤