الاستقامة الجزء الثاني المصحح

أبو سعيد الكدمي ت. 361 هجري
146

الاستقامة الجزء الثاني المصحح

تصانيف

-153- فقال : ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا" ، وكانت الغيبة للمسلمين فيما بينهم محجورة ، والتجسس محجور في الجملة والغيبة ، فانما حجرت من المسلمين ، ومن لم يستحق العداوة أن يقال فيه ما يعاب به من الأخلاق التي تذم بها ، ولو كانت فيه ومنه ، وإذا قيل فيه ذلك يراد به شتمه فقد اغتابه ، وذلك منه حرام . وإذا قيل فيه ما ليس بصحيح منه فقد بهته ، وهو من الكذب أيضا ، ولا يجوز الكذب على مؤمن ولا كافر ، بذلك صح الإجماع أن الكذب من الزور ، وأن الزور محجور .

فان قال : فمن لم يصح إيمانه فما بال غيبته لا تجوز؟

قيل له : إذا جازت غيبته جاز شتمه ، ولا يجوز الشتم الا لمبطل بباطله بغير كذب ، وإنما وقف هذا عن البراءة منه ، لما لم يصح من كفره ولا إيمانه ، فلا بد في الحكم إما أن يكون مؤمنا أو كافرا ، فالفرض عليه الوقوف عنه ، وعن شتمه وعن مدحه حتى يعلم منه ما يجوز له منه أحدهما ، فكذلك لا تجوز غيبته منه ، وهو مجهول لا يجوز شتمه ولا البراءة منه ، فان أقدم على ذلك أقدم على ما لا يسعه ، ولا علم له به أمباح أم محجور ، ومن أقدم على الغيب وحكم بالغيب فلا مخرج له من الكفر معنا ، والله أعلم .

ويقال له : أرأيت إذ زعمت أن مقصده إلى البراءة منه ، ليؤدي فريضته فهو مباح له التجسس لعورته ، والبحث عن عثرته لقصده لأداء الفريضة ، أليس هو داخلا في محجور ؟

فان قال : لا . أبطل ما أقر به في الأصل من تحريم التجسس .

وإن قال : نعم يجوز له أن يدخل في تضييع الفريضة ، ليؤدي فريضته .

قلنا له : لم نعلم أن هذا من قول أحد من أهل العلم ، وهذا باطل ،

صفحة ١٥٥