ومن هنا كانت فكرة النظم - كما نرى - وهي الفكرة التي أستقى منها عبد القاهر الجرجاني، ومن كتابات أخرى تالية لها حتى نضجت في ذهنه فكرة النظم، وأصبحت نظرية متكاملة واضحة المعالم والخطوط في كتابه "دلائل الإعجاز".
وأما أن النظم هو أساس صور البيان - كما يتضح عند الحديث عن النظم عند عبد القاهر - فقد استقاها عبد القاهر من قول الخطابى:
" وأما رسوم النظم فالحاجة إلى الثقافة والحذق فيها أكثر، لأنها لجام الألفاظ، وزمام المعاني، وبه تنتظم أجزاء الكلام ويلتئم بعضه ببعض، فتقوم له صورة في النفس يتشكل بها البيان". (١)
على أن الخطابي قد وجد لإعجاز القرآن وجهًا آخر: وهو صنيعة بالقلوب وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظومًا ولا منثورًا إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه، تستبشر به النفوس، وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة، قد عراها الوجيب والقلق، وتغشاها الخوف والغرق، تقشعر منه الجلود، وتنتزع له القلوب، يجول بين النفس ومضمراتها وعقائدها الراسخة فيها، فكم من عدو للرسول ﷺ من رجال العرب وفتاكها أقبلوا يريدون اغتياله وقتله، فسمعوا آيات
_________
(١) ثلاث رسائل في إعجاز القرآن صـ ٣٦.
1 / 21