فقد عول الناس في حده على النقل، وأن كل لفظ نقل عن موضوعه فهو مجاز، والكلام في ذلك يطول وقد ذكرت ما هو الصحيح من ذلك في موضع آخر (يقصد أسرار البلاغة) وأنا نقتصر ههنا على ذكر ما هو أشهر منه واظهر، والاسم والأشهر فيه لشيئين: الاستعارة، والتمثيل، وإنما يكون التمثيل مجازًا إذا جاء على حد الاستعارة" (١)
وفي هذا الذي قال عبد القاهر من الأهمية بمكان.
فقد ألف عبد القاهر" أسرار البلاغة" في مرحلة فكرية مبكرة من حياته، ولهذا فإن بعض أفكاره البلاغية لم تكن ناضجة موجهًا في الدلائل، ولهذا فإنه قد ذكر - في الأسرار - أن ما هو أحق باسم التمثيل: ما كان منتزعًا من هيئات مركبة، ومثل له بأمثلة جمع فيها بين ما كان تشبيهًا فقط، وبين ما كان استعارة دون أن يتنبه إلى هذا الخلط، ولكنه عندما نضجت أفكاره البلاغية وضحت له الرؤية، وتميزت لديه أنماط التعبير، ووصل إلى مرحلة فكرية متأخرة من حياته - وهو يكتب الدلائل - أدرك أن من التمثيل أن يكون تمثيلًا فقط، ومنه ما يكون تمثيلًا على حد الاستعارة، وتنوع لتمثيل أمام ناظريه إلى هذين النوعين، وقد سمى المتأخرون النوع الأول تشبيهًا تمثيليًا، والنوع الآخر استعارة تمثيلية.
_________
(١) تا الدلائل صـ ٤٤، صـ ٤٥
1 / 8