الأدلة على بشرية النبي ﷺ
أما أدلة الأثر على بشرية رسول الله فهي كالتالي: لقد أمر الله رسوله أن يقول بصريح العبارة أنه بشر فقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [الكهف:١١٠]، فهل أمره أن يقول قل: إنما أنا ملك؟ حاش لله، وأيضًا قال الله تعالى ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء:٣٤]، (من قبلك) يعني: من مثلك، وأيضًا قال الله تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:٤٣]، ثم قال ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾ [الأنبياء:٨]، أي: هم بشر يأكلون كما يأكل البشر، فليس لهم الخلد، وقول الله تعالى ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران:١٤٤].
فكل هذه الأدلة تثبت بشرية النبي ﷺ وأصرح هذه الأدلة أن الله أمره أن يقول ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [الكهف:١١٠]، وأيضًا لما قالوا ﴿وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ [الأنعام:٨ - ٩]، يعني: لا يمكن أن يكون هناك ملك بين البشر يدعوهم إلى الله، فمن حكمة الله أن يرسل إليهم بشرًا مثلهم، فرسول الله ﷺ بشر؛ لقول الله جل في علاه السابق، وقول النبي ﷺ (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)، وقوله ﷺ: (ولدت من نكاح وليس من سفاح).
إذًا: فإذا كان رسول الله ﷺ بشر فإنه يعتريه ما يعتري البشر ويحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر، فإن رسول الله ينسى كما ينسى البشر، ويحتاج إلى الطعام لأنه بشر، ويحتاج إلى النوم لأنه بشر، ويحتاج إلى الجماع لأنه بشر، وتصيبه البلايا والرزايا بل قد يتعرض للقتل لأنه بشر، والبشر يقع عليهم السحر، ورسول الله ﷺ بشر فيقع عليه السحر، ومن خالف هذه الحقيقة فليأتنا بالدليل؟ لأننا لا يمكن أن ننحيه من البشرية فهو يعتريه ما يعتري البشر، فهذه أدلة الأثر والنظر، والعقل لا يرد أن يسحر النبي؛ لأنه من البشر، وهذا من البلايا والرزايا، فهو -أي السحر- من الأمراض كالأوجاع والصداع والحمى والألم والسم الذي أكله النبي ﷺ، فطالما أن هذه تعتري البشر، فهي تعتري أيضًا رسول الله ﷺ.
إذًا: فقد سحر النبي ﷺ سحر، وقد دل على ذلك الأثر والنظر، فنحن نعتقد أن رسول الله سحر من لبيد بن الأعصم عليه من الله ما يستحق، وبعد أن سحره لبيد كان رسول الله ﷺ يرى أنه أتى أهله -أي: وطئ أهله- ولم يأت أهله، ويرى أنه قد فعل الشيء ولم يفعل هذا الشيء، لكن العقول الخربة لم تستطع أن تقبل ذلك، وقالوا: إن هذا يقدح في رسالته، وهذا الاعتراض اعترض به أهل البدع والضلالة كالمعتزلة، ثم قالوا: حديث سحر النبي ﷺ باطل لأمرين اثنين: الأمر الأول: هو أننا لو قلنا بأن رسول الله ﷺ قد سحر فقد قدحنا في رسالته ونبوته؛ لأن الله جل وعلا كتب في كتابه أنه عصم رسوله، وإذا كان لبيد بن الأعصم الكافر يسلط على رسول الله إذا فهو غير معصوم، ولو قلنا بأن رسول الله ﷺ غير معصوم كذبنا القرآن؛ لقول الله: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة:٦٧].
الأمر الثاني: قالوا: إذا فتحنا هذا الباب وقلنا بأن رسول الله ﷺ سحر إذًا فكل حديث يأتينا فسنقول عنه ليس من النبي وإنما من تسليط الجن عليه، فلعل الجني غلب على عقل النبي ﷺ فأوحى إليه هذا الكلام، ففتحنا الباب لكل أحد ليطعن ويرد حديث النبي.
هذا قول أهل البدعة والضلالة من المعتزلة وبعض المنتسبين إلى أهل السنة والجماعة، وأما المتصدي لهؤلاء الأشرار المبتدعة الذين يردون أحاديث النبي ﷺ بلا مبرر ولا داعي، -والذي أعلمه- أن الفضائيات قاطبة تكلمت على هذه المسألة وردوا الحديث بدون علم وقالوا: لا يصح أن نقول سحر النبي ﷺ، وذكروا هذه الشبه.
فأقول: نحن أثبتنا بالأثر والنظر أن رسول الله ﷺ قد سحر؛ لأنه من البشر، ويعتريه ما يعتري البشر، فالشبهة الأولى التي قالوها: بأن الله عصم نبيه ولو قلتم بأنه سحر فليس بمعصوم، وهذا قدح تام وصريح وظاهر في نبوة رسول الله ﷺ.
قلنا لهم: لا، بل هذا فيه دلالة على جهلكم وضعف نظركم وعدم التمييز بين المتشابه، وأنتم قد أُدخل عليكم من باب العصمة؛ لأنكم لم تفهموا العصمة فهمًا دقيقًا لفهم العلماء الأسلاف الأكارم الأماجد.
6 / 4